يظهر الوزير والسفير والأكاديمي والشاعر السعودي غازي القصيبي في كتابه قبل الأخير «الوزير المرافق» براعة في فهم تعقيدات المشهد الدولي ورواية طرائف الدبلوماسية العربية خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي في سياق استذكاري بديع، والكتاب يمثل امتداداً لما كان قد بدأه القصيبي في كتابه السيري «حياة في الإدارة». ويستند هذا الاستيعاب الواسع لفهم مغاليق السياسة الدولية بالإضافة إلى التجربة الثرية للقصيبي من تخصصه الأكاديمي، فلقد حصل على الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا الأميركية، والدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة لندن - بريطانيا.
وفي ظني أن ما كتبه القصيبي يبشر بنهضة جديدة لأدب المذكرات السياسية في العالم العربي، وهو أدب ساهم الصحافي المصري المعروف محمد حسنين هيكل في ترسيخه في سياق مؤلفاته السياسية بالاعتماد على مذكرات شخصية وحوادث وحوارات خاضها مع حكام وملوك ورؤساء من الشرق والغرب.
وبناء على ذلك وبسبب منه، فإن القصيبي كان طيلة حياته قريباً من دوائر صنع القرار في بلده، سفيراً أو وزيراً، لكنه ظل محتفظاً بحضوره المتوهج في المشهد العربي كواحد من أبرز الشعراء والروائيين العرب، متخطياً بذلك حدود بلده كمسئول رسمي.
«الوزير المرافق» يتضمن حكايات ممتعة ومذهلة يحضر فيها رؤساء وملوك وأمراء في مواقف محرجة، وبعضها غاية في الطرافة، ولا يتسنى للقارئ العادي معرفتها إلا لمن يرافقون هذه الشخصيات المهمة في نشاطاتها الرسمية. وهكذا ينتقل القارئ بين وجوه مشرقة كثيرة: أنديرا غاندي، بورقيبة، عيدي أمين، سيدا البيت الأبيض نيكسون وكارتر، الملكة اليزابيث، العقيد معمر القذافي ونائبه السابق عبدالسلام جلود، ونقاشات بين القذافي والمستشار الشرعي للملك الراحل خالد بن عبدالعزيز، وحكايات لا تمل مع عيدي أمين وعنه. أما رواية القصيبي لما حدث في دهاليز قمم عربية ناقشت سبل إحلال السلام في المنطقة، فتشمل انطباعات صادقة عن الزعماء الذين شاركوا فيها، وغالبيتهم أمسوا في ذمة التاريخ.
يروي القصيبي في «الوزير المرافق» جانباً من حوار مع «سيدة الهند الحديدية» أنديرا غاندي. يسألها فيه «دولة الرئيس إنني أتعاطف مع مسئولياتك الهائلة. ما هو شعورك وأنت تدركين تطلعات سبعمئة مليون مواطن؟»
فتجيب «لو أن العدد وقف عند هذا الحد لكنت سعيدة بتحمل العبء ولكن المشكلة أنهم يتزايدون يوماً بعد يوم، يتضاعفون بسرعة رهيبة، أيام الاستقلال كان عدد السكان نصف عددهم اليوم ماذا عن المستقبل؟! لولا التفجر السكاني لكنا حققنا المعجزات أما الآن فكل منجزاتنا ضاعت مع زيادة السكان.
وجرنا موضوع تزايد النسل بالضرورة إلى برنامج التعقيم الذي طبقته الحكومة وكان السبب الرئيسي في هزيمتها في الانتخابات وفوز حزب جاناتا... وقد نجح برنامج التعقيم في تعقيم مئات الآلاف في بلد كالهند لا يمثل هذا العدد سوى نقطة في بحر... وكانت الحكومة قد أقدمت على إغراء المواطنين بقبول التطعيم في مقابل حافز مادي»... غاندي تحدثت بعد سنوات عن هذه التجربة بشيء من الندم لأنها أدركت أن التغيير الاجتماعي لا يمكن أن يفرض عن طريق السلطة ولذا قالت «لقد كانت الرغبة في فرض التطور غلطة الشاه الأساسية وكانت غلطة أتاتورك قبله، لقد تصوروا أن التغيير يمكن أن يتم بقرار حكومي، هذه نظرة خاطئة، الناس أنفسهم هم الذين يحددون سرعة التغيير ولا يمكن أن تفرض عليهم الدولة أن يتغيروا حسب هواها» انتهى الاقتباس.
في هذه الفقرة ما يعنينا نحن في البحرين بشكل أخص، لجهة اتصالها بهذا التزايد المخيف في عدد السكان بسبب السياسات المختلفة وانعكاسات هذا التزايد الضارة على المواطنين وفرصهم الحياتية المختلفة.
وتعنينا أيضاً لأننا في أشد الحاجة - حكومة وشعباً - للتوافق على سقف الإصلاح المطلوب... فعلى الحكم أن يصغي إلى أصوات المجتمع المدني بشأن «الملفات الوطنية» التي تفرض نفسها بإلحاح شديد وتنتقل من مرحلة لأخرى دونما حلول واقعية وجادة. كما على المجتمع المدني في المقابل أن يدرك التطلعات الإيجابية لسد الفراغات التشريعية في مناطق الفراغ وعلى رأسها «قانون أحوال الأسرة الجعفري» شرط توافر الأرضية والقناعة الشعبية الملائمة لقانون على تماس واسع مع تخوم الشرع.
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 2967 - الأربعاء 20 أكتوبر 2010م الموافق 12 ذي القعدة 1431هـ
أحسنت القول في اخره ولم توفق في الاختيار المقتبس
أحسنت القول في الفقرتين الاخريرتين ولم توفق فيما اقتبست ما سبقهما وأحسنت فيما ذهبت اليه ان التغيير توافقي ,,,,