كنت جالسا في مكتب المدير المساعد مطلع الأسبوع الماضي، أي مع بداية الفصل الدراسي الثاني حين دخل أحد الطلاب يرغب في استلام شهادته للفصل الدراسي الأول، فسأله المدير المساعد: «في أيّ مستوى يا ولدي؟» فتردد ولم يعرف ماذا يجيب. قلت له: «أنا أعرفك أنت في المستوى الثالث». تذكّر حينها وقال: «نعم ولكن نظام ذاتي». سألناه إن كان من المتخرجين أو ممّن يواصلون الفصل الدراسيّ القادم ليتخرّج فلم يعرف ذلك. فقط ما يعرفه أن عليه أربع مواد خلال هذا الفصل وقدّمها، وحين راجع المنظومة عرف أنه نجح في المواد الأربع، قلنا له: «إذن أنت تخرجت» قال: «من المفروض!» فبحثنا في قائمة الناجحين المتخرجين فلم نجد اسمه فكررنا السؤال أأنت متأكد أنك تخرجت فتلعثم فنصحناه بمراجعة قسم التسجيل ليتأكد. وبعد لأي اقتنع ثمّ ذهب، وبعد ذلك التقيت به في ساحة المدرسة فسألته «ما الأمر؟» بقيت على مادة بدن لم أقدمها. سألته لماذا؟ أجاب لم أكن أعلم بها؟ آنذاك ضربت كفا بكف وقلت لا حول ولا قوة إلا بالله ستعيد فصلا دراسيّا كاملا من أجل مادة بدن، قال ضاحكا عادي يا أستاذ... أين العادي في هذا؟ أين الإحساس بالزمن يا ولدي؟ أيعقل أن يكون طالب في الثانوي في مرحلة التخرج لا يعرف المواد التي عليه تقديمها ليفرح بالتخرج؟ عادي أن تعيد فصلا دراسيا كاملا فقط من أجل مادة بدن مع احترامي لهذه المادة ومدرسيها، أيعقل أن تعيش يا ولدي خارج الزمن فلا تعي واقعك المدرسيّ؟ والحقيقة أنّ مثل هذه الحالات لا تعدمها بعض الفصول الدراسيّة في الكثير من المدارس ولعل مّا يثير استغرابي ظاهرة شبيهة حين يتساءل بعض التلاميذ من المرحلة الثانوية خاصة إن لم أقل كلّهم في بداية الحصّة الأولى وأحيانا الثانية وحتى الثالثة عن اليوم والتاريخ أو أيام الامتحانات حين يعبئون البيانات في دفتر الامتحانات حدّث ولا حرج! حقّا إنّ السؤال عن تاريخ اليوم دليل آخر على عدم الاهتمام بالزمن أو أكاد أقول اللامبالاة بالوقت وبقيمته في حياتنا وللأسف. إنّي أرى الوعي بالزمن ومعرفة اليوم والتاريخ الذي أنت فيه علامة فاصلة بين أن تكون خارج التاريخ أو في صلبه فكيف لك أن تكون دون وعي بالزمن فما بالك بقيمة الزمن. ولا يخفى على مؤمن أن الله سبحانه وتعالى لم يقسم بنفسه في القرآن الكريم وإنّما أقسم بالكائنات المهمة ولعل أكثر الأشياء التي أقسم بها هي الزمن في مختلف تشكلاته مثل قوله تعالى (والعصر إن...) (والضحى والليل...) (والشمس وضحاها...) (والفجر وليال عشر...) وغيرها... وهذا القسم بالزمن يؤكد مدى أهميته بالنسبة إلى الإنسان فما بالك بالنسبة إلى الطالب وما بالك إذا كان في المرحلة الثانوية على أبواب التخرج ثم ما بالك وما بالك إذا كان هذا الطالب عربيا مسلما يعيش صراعا على أكثر من جهة لعل أهمها جهة الصراع مع الوقت نفسه، إذ يتقدم غيرنا ويسابقون الزمن في حين ينام غالبيتنا نوما قريرا حتى كاد البعض يشبهوننا بأصحاب الكهف لا من حيث قدسية الكرامة الواقعة بهم وإنّما من حيث مقدار تخلّفنا الزمني عن ركب الحضارة المعاصرة إلا في ما رحم ربك من الكماليّات التي ربما نسبقهم أحيانا إليها. آن الأوان أن يعي طالب اليوم أهمية اللحظة التاريخية الراهنة، آن له أن يدرك المسئولية المناطة بعهدته ليس على المستوى الفردي أو المحلي بل وعلى المستوى القومي والإنساني عامّة.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"