ها قد ولّت عطلة الربيع، وتحرّكت جحافل الطلاب نحو مدارسهم وازدانت شوارعنا بهذا المشهد اليوميّ الجميل. ها قد حانت ساعة البدء من جديد ساعة الانطلاق نحو الامتياز بعد أن استرجع الطلاب أنفاسهم وأخذوا من الراحة القسط الكافي لبداية أجمل. فهل ننسى الفصل الدراسي السابق ونتركه وراء ظهورنا؟ هل نعيد قراءته من جديد؟ أنعيد البناء أم ننطلق من جديد؟ هل نواصل ما شرعنا في تأسيسه؟ السؤال مطروح على الجميع كل من لهم علاقة بالدرس؟ ليس فقط التلميذ هو المعني بهذه الأسئلة بل جميع في السؤال سواء، ولكن كل من زاويته يجيب ويهمّني اليوم الحديث إلى جيل المستقبل إلى التلاميذ. لا يخفى أن المتعلّم يكتسب المعارف تراكميا وبالتالي فهو يبني على أسس سابقة، إذن هو يواصل البناء. لكنّ الكَيّسَ من التلاميذ هو من يستفيد من أخطاء الفصل الدراسيّ الأوّل ويستثمر إيجابيّاته. فالطالب وخاصة منه المتوسّط والضعيف لابد له أن يقف عند نقاط ضعفه بمعونة مدرسيه ووليّ أمره، فيشخّص مواطن العلة في تكوينه والثغرات المتروكة في بنائه القديم ليحسن ترميمها خلال هذا الفصل ولا يترك هذه الثقوب تزداد اتساعا، فمثلا إذا كان الواحد من الطلاب ضعيفا في التعبير فلا يعتبر ذلك خطأ أزليّا لا يمكن إصلاحه ولا يحتَجَنَّ برأي بعض المخطئين من أنّ التعبير موهبة وليست اكتسابا بل ممكن جدا مع التمرين والتدريب أن يحسّن الطالب إنتاجه الكتابيّ. ولعلّ تغيير التسمية من تعبير إلى إنتاج كتابيّ كما هو الحال في المرحلة الثانويّة دليل على أن هذه الكفاية قابلة للتطوير بحكم كونها إنتاجا يخضع للتدريب قبل الكتابة. أما الطالب الممتاز فهو ممّن يصدق القول فيه: «ليست الصعوبة في إدراك درجة الامتياز وإنّما الصعوبة الحقيقية في المحافظة عليها وتطويرها». ذلك أنّ الممتازين في الفصل الدراسي الأول لم يصلوا إلى القمة التي ما بعدها قمّة وإنّما هم اجتهدوا فأصابوا فحققوا المهم، لكن بقي الأهم المحافظة على هذه المكانة وتطويرها. أمّا المحافظة فهي واضحة ومفهومة فكيف يتم تطورها؟ لا أحد أدرك الكمال ولا مجال لذلك فالكمال لله سبحانه وتعالى وما على الطالب الممتاز إلا محاولة تطوير مواهبه في مجالات الدراسة جميعها من خلال الأنشطة اللاصفية، فلا نريد ذلك الطالب الممتاز المملوء بالخجل الذي يستحي أن يقول كلمة في الإذاعة المدرسيّة أو ذلك الطالب الممتاز الذي يستحي من المشاركة في حصص الرياضة بسبب بدانته أو قصره أو... ولا ذلك الطالب الممتاز الذي لا يعدو أن يكون مردّدا لمحتوى الدفاتر وخاصّة في الموادّ الإنسانية وكأنه يقول لمدرّسيه بضاعتكم ردّت إليكم ولا ذلك الطالب الممتاز الذي يرفض المشاركة في المسابقات المدرسية بحكم أنها مضيعة لوقته على حساب مراجعاته... والحالات كثيرة. بل إن الامتياز كل الامتياز في أن تكون أيها الطالب الممتاز متشبعا بروح الانتماء إلى المدرسة فتسعى من خلال ذلك إلى إعلاء مكانتها والمساهمة في تلميع صورتها وبناء حاضرها. الامتياز كل الامتياز حين تكون اجتماعيا تقبل النقد وتنقد الآخرين في أدب دون خجل أو خوف. الامتياز الحقّ حين ترقى بمستواك في كل المواد بحيث تبتكر الأجوبة ولا تبقى رهين المحفوظ الذي لا تؤمن معه آفة الناس. الامتياز الامتياز يا أبناءنا هو امتياز الأخلاق الفاضلة فلا معنى لعالم أو عبقريّ ولا قيمة له إذا انحطّت أخلاقه وتلاشت فيه الفضائل: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"