تمثل فترة الامتحانات وخاصة في المرحلة الثانوية مخاضا عسيرا على الطلبة والطالبات بل على الأسرة كلها والمجتمع عموما. ولقد دخل الطلاب منذ مدّة قصيرة في دوّامة التحضيرات المكثفة متأهّبين كلّ بطريقته إلى يوم الامتحان حتى انتهى العدّ التنازليّ وجاء يوم الثالث عشر من يناير/ كانون الثاني 2010 لتفتح أولى المظاريف ويشرع الجميع في حصاد ما زرعوه على اعتبار أن من يزرع يحصد. لكن كيف يتجاوز الطالب والأسرة والمجتمع هذا الهاجس الجاثم بكلكله على نفوسنا جميعا؟ كيف يمكن أن نخفف من وطأة هذا المارد حتى تمرّ أيام الامتحان بسلام وتتلاشى الرهبة التي سكنت القلوب والبيوت؟ يكتسب الطالب الاطمئنان ويمتلئ ثقة بالنفس حين تقوى ثقته بالله، حين يتوكل عليه أولا وقبل كل شيء ثم يتخذ الأسباب وأهم الأسباب العملية لإزالة الرهبة والتهيب من فترة الامتحانات العمل اليوميّ المتواصل خلال الفصل الدراسي فلا مجال للتأجيل والتسويف، ولا مكان للغش من الغير أو التراخي بل هو التفكير الإيجابي الذي يجب أن يتحلّى به الطالب منذ أن تطأ أقدامه المدرسة في أول اليوم. كما تزول الرهبة إذا توفرت أجواء امتحان طيبة داخل اللجنة نفسها ولعل أهم العناصر المؤثرة في سير لجنة الامتحان هم الطلبة ثم الملاحظون فالمشرف المراقب وإدارة المدرسة على رأسهم جميعا وهنا يحسن بالمشرفين والملاحظين أن يتوخوا الحيطة في التعامل مع الطالب فلا يخلقون ذلك الجو من الرهبة بالصياح منذ أول خطوة أو التهديد بالحرمان والطرد بل هو الاتزان والحكمة والكلمة الطيبة حتى يتلاشى ما بقي في صدور بعض الطلاب من أحاسيس الخوف ويحل محلّه الاطمئنان والخشوع للامتحان . كما أن الأسرة الكريمة بإمكانها توتير الجو النفسيّ بقدر ما بيدها خلق ظروف من الراحة النفسية لأبنائها الطلبة فلا فائدة من سؤال الابن أو البنت عن أجوبتها والتحقق منها أو مهاتفة مدرس قريب للتأكد. بل بالعكس نعلم ابننا أن ينسى ما فات وأن يستعد لقادم الامتحانات، كما أنه لا فائدة أيضا من الاستماع لشكاوى الأولاد عن صعوبة الامتحان والاستنفار لرفع تظلمات وإيصال الشكاوى لذوي القرار أو الإعلام . نعم للإعلام دور في تهدئة خواطر الطلاب واستئصال ما يتلجلج في صدورهم من مشاعر الخوف الدفين من يوم الامتحان. إنّ تدخّل بعض رجال التعليم وخاصة في الصحافة المكتوبة بالتعليق على سهولة الامتحان أو صعوبته يبدو أمرا بعيدا عن اختصاصهم ومن شأنه أن يزيد في شحن الأجواء النفسية للطلبة والأسرة خلال فترة الامتحانات. وإذا كانت التغطية الإعلامية ضرورية لهذا الحدث الوطني المهم فإنّ الحياد والموضوعية أمر أهمّ ولابد في كذا حال أن نقدم الأهمّ على المهمّ. نعم نقول كل هذا، ونتوجه بالخطاب بكل لطف إلى هذه الأطراف المتداخلة في سير الامتحانات لأنها ليست سوى نقطة من بحر. نعم امتحانات المدرسة في كل مرحلة مهمّة جدا وخاصة في المرحلة الثانوية بوابة الجامعة والمكانة الاجتماعية المرموقة لكن امتحانات الحياة أصعب بل إني أعتبر امتحانات المدرسة سواء كانت نتائجها إيجابية أم سلبية ما هي إلاّ تدريبات خفيفة استعدادا لامتحانات الحياة يوم تتحمّل أيها الطالب أيتها الطالبة المسئولية داخل بيت أمام أطفال، أو نحو أم مسنّة أو أب عاجز أو حين تأخذ عن أبيك زمام المسئولية في إدارة مؤسسة... آنذاك وآنذاك فقط تبدأ الامتحانات الحقيقية يوم تسميها محنا وابتلاءات. ثم لا تنس أنك يوميا أيها الطالب أيتها الطالبة أمام امتحان فتنة الحياة فكيف لا تخاف ولا ترهب هذا الامتحان المصيري وتراك ضعيفا خائفا إزاء مسألة نحوية أو رياضية أو فيزيائية. حقّا أيها الطلاب الأعزاء أنتم اليوم أمام اختبار بسيط على طاولة داخل لجنة الامتحان لكن الحياة العملية هي الامتحان الحقيقيّ لو كنتم تعلمون.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"