حظيت بشرف محاورة زمرة من رجال التعليم المتقاعدين ضمن أعمال إحدى اللجان التي تعدّ للاحتفال بمرور 90 عاما على بدء التعليم النظامي في مملكة البحرين. وخلال هذه المقابلات التقيت بقامات كان لها شأن في الميدان التربوي سواء حين شغلوا مهامّ التدريس أو الإدارة أو حين ارتقوا للاضطلاع بمسئوليات جسيمة على رأس الإدارات المختلفة في وزارة التربية. لقد كان اللقاء بهم فرصة لي للجلوس مع أسماء سمعت عنها الكثير ولكن لم يحالفني الزمن لأعمل تحت قيادتهم وهاهي ذي المناسبة / الحدث تسعون سنة على انطلاق التعليم النظامي تمنحني هذه الفرصة وأسعد بالحديث إليهم لأتوقف عند حقائق لعل أهمها: في ما يخص المتعلم: لقد أبانت الحقائق التي رواها لي أولئك المتقاعدون أن متعلم اليوم يتوافر على فرص اسثنائية وفريدة لتحقيق الامتياز سواء من خلال تعدّد الخبرات وتنوعها التي تشرف على تدريس طلبة اليوم أو حتى خلال ما تتوافر عليه المدارس من تجهيزات ومرافق وبنى ضرورية من مختبرات وصفوف إلكترونية وبيئة صفيّة ملائمة لتحقيق أعلى درجات التفوق والامتياز. فلا حجة لجيل اليوم من الطلبة بل الحجة في رأي هؤلاء المتقاعدين قائمة على طلبة اليوم إن فشلوا في تحقيق الامتياز، ذلك أن الظروف التي درس فيها ذلك الجيل بعيدة كلّ البعد عن الظروف التي يدرس فيها جيل اليوم سواء من حيث البنية التحتية للمدارس أو من حيث نوعية المدرسين. فيما يخص المعلّم: لقد لمست في جيل الأوائل من المدرسين والمربين من حاورتهم عقلية تختلف كل الاختلاف عن عقلية جيل اليوم من غالبيّة المدرسين إذ آمن الأوائل من مدرسينا بحبّ المعرفة وواجب تعليمها بما هي رسالة نبيلة ما جعل بعضهم يقدم دروسا مجانية ويفتح صفوفا مسائية مجانية للطلبة. ومثل هذه الممارسات نفتقر لها اليوم بل صرنا نتمنى أن ينهي المدرس المقررات في أوقاتها وبالشكل المطلوب حتى لا يلتجئ الأولياء إلى الدروس الخصوصية. فيما يخص المعرفة: يرى آباؤنا المعلمون أن المعرفة متطورة بل قابلة للتغيير السريع في عصر الانفجار المعرفي الذي نعيش، لذلك فإن تدريب المعلمين يغدو ضرورة ملحّة للمواكبة. ومن طريف ما سمعت ممن حاورت القول بعدم تجميد المعارف في المقررات لأن هذه المعارف ما تلبث أن توضع لها مقررات حتى تتغير من جديد بفعل التطورات الاقتصادية والاجتماعية والدولية وبذلك لن تكون المعارف الموضوعة في المقررات مواكبة للتطورات، فكيف نخرّج جيلا بمعارف غير مواكبة؟ في علاقتنا بذلك الجيل الذهبي: لعل من أبرز ما وصلت إليه بعد جملة من المحاورات هو أن لدينا في مملكة البحرين زمرة من التربويين المتقاعدين الذين تنطوي عقولهم على أفكار نيرة ورائدة ممّا يحيي من جديد اقتراحا يقول بتشكيل لجنة طوعية من المتقاعدين توكل لها مهمة مناقشة بعض القرارات المصيرية في خطط الوزارة وذلك للاستئناس برأيهم. وهذا لا ينقص شيئا من قيمة القائمين اليوم بشؤون التربية والتعليم، وإنما قد يكون من باب هدر الطاقات أن لا نستأنس بآراء رجال وسيدات لهم من الخبرة والتجربة ما به يفيدون حاضر التعليم ومستقبله كما أفادوا في ماضيه، على أن لا تكون قرارات مثل هذه الهيئة ملزمة وإنما تصدر مواقفها في شكل توصيات فقط.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"
