العدد 2649 - الأحد 06 ديسمبر 2009م الموافق 19 ذي الحجة 1430هـ

رأفة بمعلم العربية

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

لعلّ عددا كبيرا من معلمي اللغة العربية تجاوز مسألة رفض أو قبول التجديد في المناهج قصد ضمان الجودة وإنما دخل في مرحلة الهضم ويستعد الآن للإبداع في عمله مع المقررات الجديدة. لكن إن كان يوجد شيء يدعو إلى التذمر فهو بعض من المعاناة التي يعيشها معلم اللغة العربية. وأنا لا أنظر إلى ذلك متأثرا بردود بعض القراء أو الطلاب أو الإداريين وإنما أنا – كعادتي – في تحليل القضايا التربوية وفيّ إلى مقاربة المسألة من زاوية تعلميّة اعتمادا على نموذج المثلث التعلميّ بدراسة العلاقة بين أقطابه، وتحديدا سأتناول علاقة معلم العربيّة بالمتعلّم وعلاقته بالمعرفة لأكشف عن بعض وجوه المعاناة لمعلّم اللغة العربيّة فضلا عمّا يُطلَب منه من المؤسسة التعليميّة ذاتها.
أ‌- في علاقته بالمتعلّم: منذ الحصص الأولى وخاصّة مع طلاّب المرحلة الثانويّة يصطدم معلّم العربيّة بذلك الاتجاه السلبيّ إزاء المادّة فتنصبّ عليه أسئلة بلاغيّة كثيرة من الطلبة تصبّ في خانة واحدة: «لا فائدة من درس العربي طالما لا ولن نحتاجه في الممارسة اليوميّة والعمليّة» ومنذ البدء يجد معلّم العربيّة نفسه – دون غيره من المعلمين – مجبرا على الدخول في صميم المواجهة الحضارية دفاعا عن اللغة العربيّة وعن قواعدها وآدابها محاولا إقناع جيل من المتعلمين ذوي النزعة البراغماتية بما تيسّر له من حجج وأدلّة إذ من المحال أن يتقبّل الطلاّب الدرس وهم غير مقتنعين بجدواه، ويغدو بذلك معلّم العربية محاميا لا يرافع من أجل حفنة مال أو ما شابهها، وإنما يدافع عن إرث أمة ويكافح من أجل أحد أبرز عناوين حضارتها: لغتها العربية الفصحى.
ب‌- في علاقته بالمعرفة: تشهد مناهج اللغة العربية في مملكة البحرين وخصوصا في المرحلة الثانويّة - وسيليها في المرحلة الإعدادية ثم الابتدائية - تغييرات جذرية سواء في محتوى التدريس أو طرائقه المستحدثة وخير شاهد على ذلك التجديد الكبير في مقرّرات عرب 101 و102 ثمّ 201 و213 إذ يتطلب من المدرّسين عملا خاصا وجهدا مضاعفا لفهم المقررات بما توافرت عليه من مفاهيم جديدة وهنا لابدّ من الاعتراف بأنّ هذا الأمر طبيعيّ بل بديهيّ فمعلّم العربية لابد أن يطوّر نفسه وينخرط بإيجابية في منظومة الانفجار المعرفيّ التي إن لم يستوعبها سحقته وأبعدته عن دائرة الضوء.
وبذلك وجد معلم العربية نفسه أمام واجهة أخرى للجدّ والعمل وهي التمهين والتدريب سواء في مجال الوسائط المتعددة للانخراط في تكنولوجيا المعلومات وتوظيفها في تدريس اللغة العربية أم في مجال مقاربات النصوص الأدبية وتدريس الأنماط الكتابية وتدريب الطلاب على الإنتاج الكتابي فيها.
ت‌- في علاقته بالإدارة: بحكم اختصاصه واتساع دائرة ثقافته في أكثر من مجال، يجد معلّم العربية نفسه أمام واجهة أخرى للمعاناة، إذ تدعوه إدارات المدارس كلّما فكّرت في إقامة فعاليّات غير صفيّة أو كلّما أقرّت الوزارة حصصا بمسميات مختلفة إثرائية أو إبداع أو تقوية أو غيره... يكون مدرس العربي مدعوا إلى تأثيثها بإعداد خطّة ومادّة تعليميّة وتنفيذ ذلك وكأنه مختصّ في المكتبيات (حصص المصادر) وحين جاءت حصص الإبداع المختلفة وغيرها ألقيت بالدرجة الأولى على عاتقه، فيعد البرنامج ويتعمق في المعلومة وكأنه مختص في صناعة المناهج وهندستها. أو كأنّ الإذاعة والصحافة أو الثقافة الشعبية وغيرها لا يفقه فيها معلّم الاجتماعيات أو الدين أو المجالات.
إنّني إذ أعتزّ بثقة المسئولين في مدرّسي اللّغة العربيّة على الاضطلاع بكل هذه المهامّ، فإنني أخشى أن تتشتت اهتمامات هذا المدرّس بين مختلف الأنشطة التي تلقى على عاتقه فيضيع اهتمامه بنفسه كمدرّس لغة عربيّة.
ثم لا ننسى قافلة المسابقات حين تهلّ المراسلات على الإدارة فتسارع إلى تمريرها إلى قسم اللغة العربية. صحيح أن منها ما هو من اختصاص معلم اللغة العربية لكن بعضها يمكن إحالته على غيره من الأقسام، ولمّا كان مدرس العربيّ شريكا جوهريّا وفعّالا في غالبية المسابقات والفعاليّات فإنه سيترك ميراثا ثقيلا على زملائه اسمه تأمين الحصص. وبما أن الكثير من المدارس ملتزمة حد النخاع بتطبيق مبدأ تأمين حصص غياب المدرّس من قبل قسمه أوّلا، فإنّ مدرّس العربيّة أيضا سيحمل على عاتقه عبء تأمين هذه الحصص.
القادم أفضل: عزاؤنا في المستقبل أن يقع التخفيف ولو تدريجيّا ونسبيّا عن هذا المعلّم وأن يقع إثقال كاهله بالتكوين والتدريب في صلب اختصاصه فهو أحوج إلى ذلك مواكبة للانفجار المعرفيّ.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 2649 - الأحد 06 ديسمبر 2009م الموافق 19 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً