لا يقتصر دور المؤسسات التربوية على التعليم ورفع التحصيل الدراسي والعلمي وإنما تنهض هذه المدارس الابتدائيّة والإعداديّة والثانويّة وحتى المؤسسات الجامعيّة بوظيفة أرقى ألا وهي اكتشاف المواهب الإبداعية إذ تتوافر المدارس على باقات جميلة في مختلف مجالات الإبداع وخاصّة الفني بمختلف أشكاله وتعبيراته فضلاً عن طلبة نبغوا في برامج الحاسوب أو علم الفلك أو تجويد القرآن الكريم وحفظه. ولعلّ ما دأبت عليه وزارة التربية والتعليم بصفة عامة والمدارس بصفة خاصة من إجراء مسابقات في مجالات شتّى يعتبر فرصة سانحة لاكتشاف المواهب وتنميتها. غير أنه يلاحظ أحياناً بعض التقصير في متابعة الطلبة أو إهمال لما ينجزونه أو تغافل عنهم بحيث يعتنى بهم قبل المسابقات بتصحيح أخطائهم وتأطيرهم وبمجرّد انتهاء هذه الفعاليّة أو تلك يخلون سبيل هؤلاء الطلبة في انتظار مسابقة أخرى ولا يلتفت إليهم أحد والحال أنّه بالمدرسة من هو قادر على تنمية تلك الموهبة بالنقد البنّاء وتشجيعها بنشر أعمالها وإطلاع الوسط المدرسيّ على منجزات أولئك المبدعين. كما يلاحظ شدة التعويل على طالب أو طالبة واحدة إذا لمس فيها الأستاذ كفاءة في مجال المسابقة فيقع الاعتماد عليها في كل المسابقات طالما هي تفي بالحاجة ويمكن أن يقتلع من ورائها ورقة الفوز بإحدى المراكز الأولى على حدّ تعبير معلّقي كرة القدم. إن مثل هذا الطالب قد يصاب بالملل بل وقد يجني على دروسه وتفوّقه المدرسيّ من كثرة التعويل عليه. ليس هذا فحسب وإنّما يقع أحياناً إقصاء بعض المواهب من المسابقات لأن موضوع إبداعها قد لا يتماشى مع أهواء هذا أو آراء ذاك والحال أن هذا الطالب قد تكون لديه طاقات خلاّقة لا ينقصها سوى الرعاية والتطوير والتوجيه حتى تثمر بدل أن تنطفئ فيها شعلة الأمل وخاصّة أنّ الطالب الموهوب والواثق من نفسه يستفيد من الآراء التي يجد فيها نقداً وجيهاً وتوجيهاً بنّاءً. أمّا من جهة سلطة الإشراف، فإنّ بعث مركز للموهوبين وإحداث مراكز الإبداع في التعليم الثانوي يعدّ بادرة جيدة لتأطير هذه الفئة من الطلبة والارتقاء بقدراتهم نحو آفاق واسعة من الإبداع حتى تستقبلهم الجامعات والمؤسسات الثقافية الرسمية والأهلية ويتواصل بذلك حبل الإبداع. إنّ الموهبة بمفردها لا تصنع مبدعين بل يمكن أن تضمحلّ وتتلاشى إذا لم تقع متابعتها وحسن اختيار من يرعاها ويشرف على تطويرها حتى تطرح شجرة الإبداع ثمرها... ولو بعد حين.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"
