لقد بات التفكير في مصير العام الدراسي 2009 - 2010 الشغل الشاغل في أيامنا هذه لعامة مكوّنات المجتمع ولجميع الأطراف المتدخلة في مجال التربية والتعليم بدءا بسلطة القرار مرورا بالقيادات المدرسية فالمربين وصولا إلى الطلاب وخاصة أولياء الأمور. والكل يخالجه سؤال حارق: أيّهما أولى الصحيّ أم التعليميّ؟ في رأي كثير من المتتبعين تبدو المعادلة صعبة ولا مجال فيها للإمساك بالعصا من الوسط ؛ حيث ينادي البعض ويعمل على اتخاذ أقصى درجات الحيطة بتركيز كافة وسائل الكشف والوقاية وتتبع آثار فيروس «H1N1» بين الطلاب سواء باستعمال مقياس الحرارة عند الدخول أو بحثّ الطلاب على تعقيم أيديهم بمعقم يثبت عند مدخل المدرسة والإدارة وغيرها من الأماكن أو بتوظيف الحاسة السادسة عند المدرسين والمشرفين داخل الصفوف وخارجها أو بإلغاء الطابور الصباحي أو بتوسيع مدة الفسحة وغير ذلك من إجراءات وقائية... وفي هذا السلوك ما فيه من إيلاء أهميّة قصوى للبعد الصحّيّ بين أبنائنا الطلاب خاصة ونحن على عتبة المرحلة الأخيرة للعودة المدرسية مع تلاميذ الابتدائي يوم 18 أكتوبر/ تشرين الأول . لكنه في الطرف المقابل يدعو شقاًّ من المعنيين بسير الدروس وخاصّة بعض القيادات المدرسية والمدرسين إلى تقديم العلميّ التحصيليّ على الصحيّ حتى وصل الأمر عند البعض بالاكتفاء بأخذ عيّنات من الطلبة لقياس الحرارة حتى لا يتعطّل الدخول الصباحيّ للصفوف ولا يحرم الطلاب من الدروس في الحصة الأولى وحجّتهم في ذلك المحافظة على المركز المتقدم الذي وصلت إليه هذه المدرسة أو تلك بين مدارس المملكة على مستوى نسب النجاح . حقيقةً أن لهذا الرأي نوايا حسنة وحرصا على التعليمي/ الدروس، لكن ما مصير الصف أو المدرسة كلها لو تسرّبت حالة تحمل الفيروس؟ هل ينفع آنذاك المبالغة في الحرص على أهمية الدروس والنتائج في آخر السنة؟ حقّا المسألة جدّاً صعبة وتحتاج خبرة وطول باع وذراع في مجال قيادة المدارس ناهيك عن فترات الأزمات وكثيرة هي في مستقبلنا حيث تنبئ الحقائق بتكرار مثل هذه الآفات مستقبلا طالما العقل قرينه الشرّ الذي صنع مثل هذا الفيروس قادر على أن يصنع غيره خاصة وأنّ المتاجرة بأعمار الناس وصحتهم كفيلة بتحقيق الأرباح واسأل عن «التمافلو» كم كان سعره قبل سنة و انظر كم سعره الآن فما بالك بأسعار التلقيح التي أبت شركات تصنيعه تقديم الضمانات اللاّزمة على أنه لا يؤثر سلبيا على صحة مستعمله. وبين هذا وذاك يزداد أولياءالأمور حرقة ولوعة فلا هم إلى هؤلاء المناصرين للتعليميّ/ الدرس على حساب الصحة ولا هم إلى هؤلاء الذين قدموا الصحة على حساب الدرس. إنّها معادلة شاقّة وصعبة يلزمها الصبر في زمن المحن. أما إذ فتحنا باب المدارس الخاصة فإن نيرانا لن تخمد حيث إن قرار تأجيل العودة المدرسية جاء جراء اكتشاف حالات في بعض المدارس الخاصة وها قد أقفلت... وهاهي تستعد للفتح من جديد وأولياء الأمور بين أخذ وردّ على أكثر من مستوى فمنهم من يريد تأجيل عودة ابنه يوما أو يومين ومنهم من لم يقتنع بدفع رسوم شهر 9 طالما أنّ ابنه لم يدرس خلاله يوما وبعد النداءات والاحتجاجات الصحافية وغيرها تبيّن أن النصاب القانوني 180 يوما دراسيا فعليا فهل توفق المدارس الخاصة التي لا تعترف في استثمارها بالخسارة ولا يدخل في عرفها باب المساندة والمساعدة على الظرف الطارئ ... هل توفق هذه المدارس إلى ضمان الـ180 يوما و إذ لم تتوفّق فأي مصير للعام الدراسي؟ أسئلة على صفيح ساخن تنتظر جوابا لعل البال يهدأ.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"