ما كل ما يتمنّاه المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن بمثل هذا البيت من الشعر قد تخبو جذوة الحماس عند بعض أولياء الأمور والطلبة إزاء الوضع الحالي للمدارس؛ إذ إنّ تأخير العودة عن تاريخها المألوف واحتمال إغلاق المدارس مرات أخرى يأتي ضدّ مجرى حركة المجتمع المألوفة مع بداية كل سبتمبر/ أيلول من كل سنة نظراً لما تتميز به هذه الفترة من حركية غير عادية حيث الحماس للعودة والاستعداد المادي والمعنوي للفصل الدراسي الأول... لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن... هذا من جهة لكن من جهة أخرى تعلو أصوات بقول أبي القاسم الشابي: إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر كذلك إذا الشعب اليوم أراد الدروس فلا بد أن تتحرك كل الجهات إيجابيا بالتفكير والسعي الدؤوب نحو البحث عن الحلول الملائمة لتجاوز الأزمة والخروج من موقع المتفرج إلى موقع الفاعل. ولعلّنا بالوسائل المتوفرة اليوم في المدارس أو بتوظيف الوسائط المتعددة يمكن أن نخفف من حجم ضياع الزمن المدرسي. فمن أبسط الطرق الممكنة وبالوسائل المألوفة المتوافرة عند المعلّمين في المدارس يمكن إعداد ورقات عمل بها شروحات مختصرة واضحة ينطلق منها الطالب لحل بعض الواجبات لكن كيف يتم إيصالها إلى الطلبة وباب المدرسة موصد أمامهم؟ هنا يقع إعلام أولياء الأمور بوسائل الاتصال المختلفة بمواعيد دقيقة يتم خلالها تسليم ورقات العمل- تكون مجمّعةً حسب المستوى- على فترات متقاربة من الأسبوع (يوماً بعد يوم) يستلمها الأولياء ثمّ يحاول الطالب في البيت إنجاز ما أمكن منها فردياً أو بمعاونة ولي الأمر وما هذه الأوراق مبدئياً سوى مراجعات وتذكير بأهم المكتسبات للسنة الماضية في كل المواد وهكذا يستلمها المدرس بعد يومين ليقوم بتصحيحها وكتابة الملاحظات عليها ثم إرجاعها إلى ولي الأمر حين سيأتي في الموعد الموالي لاستلام ورقة عملٍ جديدةٍ وتسليم الواجبات الجديدة وهكذا... لكن يمكن للمدرسين الاجتهاد أكثر فأكثر بتوظيف الوسائط المتعددة حيث يمكن بعث منتدى للدروس والواجبات ينزل فيه المدرسون بعض الواجبات المفيدة والمختصرة مع أنشطة تطبيقية وتمارين يقوم الطالب بإنجازها وإرجاعها إلى المدرس عبر بريده الإلكتروني أو بطباعتها على الورق وإرجاعها عبر وليّ الأمر إلى المدرسة صحيح أن عوائق كثيرةً ستعترض المدرسين وكذلك عواقب متعددة تعوق دون تواصل المدرسين مع بعض الأولياء والطلبة لكن الأمر منا يحتاج إلى العمل والمحاولة وليس عيباً أن تفشل هذه أو تلك بل العيب أن نبقى مكتوفي الأيدي في انتظار قرارٍ جديدٍ لإغلاق المدارس لتصبح عند البعض: «ربّ ضارّةٍ نافعة». إن إيماننا العميق بأهمية المعرفة ومزيد إعلاء قيمتها بين الصغار والكبار هو الكفيل بإخراجنا من بوتقة هذه الأزمة. نعم ليس العيب في زماننا الذي جاء بهذه الأمراض الحديثة ولكن العيب فينا إذا نحن استسلمنا لهذا الظرف ولم نقو على تحدّيه أو على الأقل لم نحاول أن نتجاوزها كل من مكانه. إن المدرسة بما تحمله من رسائل نبيلة لا بد أن تكون صمّام أمان للمتعلّمين ولا تحرمهم من دروسهم مهما كانت الظروف بل آن الأوان لتتحرك كل الطاقات الإيجابية الكامنة من أجل إيصال العلم ولو عن بعد.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"