روى كاتب عربي ذات يوم قصة "هزلية مأسوية"، تحكى عن "بعوضة"، وتدور الحكاية بالتسلسل التالي: تشعر "البعوضة" بالغضب من الضجة التي تحدثها دقات ساعة معلقة على الحائط، وتقرر التخلص من هذه الضجة مهما كان الثمن. تدور "البعوضة" حول الساعة فترة، بينما الدقات تلاحقها وتتلف أعصابها وتهبط على أحد عقاربها... يتوقف العقرب لحظة، وتهدأ الدقات، فتشعر "البعوضة" بالسعادة، ولكنه لا يلبث أن يواصل حركته، بينما "البعوضة" متمسكة به تحاول إيقافه من جديد، وعندما يلتقي العقربان، تسقط "البعوضة" جثة هامدة على الأرض. شكرا "أبوخلدون" - راوي الحكاية - فأنت تريد أن تقول لنا إن مواجهة المشكلة لا تتم بشكل اعتباطي، وإنما بدراستها، والتخطيط لها، والتسلح بالمعرفة قبل العمل، ولو أن "البعوضة" درست آلية الساعة وطريقة عملها لما انتهت بهذه النهاية المأسوية. رواية "أبوخلدون" تشبه إلى حد كبير، صراعنا مع "إسرائيل"، فالبعوضة "إسرائيل" كان هاجس المواجهة يشغل بالها دائما، وتكره الفرح الفلسطيني، لذلك عندما دخلت الأراضي الفلسطينية في العام 1967 كانت مزودة بخرائط كاملة للأماكن والطرق التي ستسلكها، بل إنها تحمل قوائم بأسماء الأشخاص الذين يمكن أن يتعاونوا معها. لست عربيا إن لم تتمن يوما زوال "البعوضة" "إسرائيل" من خلال المقاومة الفلسطينية التي وصلت إلى أعلى درجات التضحية من أجل الوطن بالعمليات الاستشهادية والصمود في وجه حملات البطش الإسرائيلي، لذلك عليها - وخصوصا في الفترة الأخيرة التي صرحت فيها "إسرائيل" بأنها لن تسمح بنجاح الانتخابات التشريعية في حال مشاركة "حماس" - ألا تترك ظهرها مكشوفا لـ "البعوضة" "إسرائيل"، إذ إنها ستصدر ردود فعل "هستيرية" بعد تأكدها بأن "حماس" مرشحة للفوز بنسبة متقدمة في الانتخابات التشريعية، بما يسمح لها بعد ذلك بالمشاركة في الحكومة المقبلة. كما أن مشاركة "حماس" تشكل كابوسا للحكومة الإسرائيلية، فهي لا تريد أن ترى من يعتبر نفسه المسئول عن انسحاب غزة وكأنه يكافأ عبر الإمساك بزمام السلطة ومقدرات البلد، ويشجع بذلك فصائل المقاومة في الضفة الغربية ومناطق أخرى. كم الشبه كبير بين "قصة البعوضة" والوضع في الأراضي الفلسطينية، لكننا نتمنى أن تكون نهاية القصتين متشابهتين!!.
إقرأ أيضا لـ "ايمان عباس"العدد 1119 - الأربعاء 28 سبتمبر 2005م الموافق 24 شعبان 1426هـ