الساسة في طهران كثيرون، ومثلهم رجال الدين، ولعل وصول أول رئيس غير معمم إلى سدة الحكم منذ سنوات طويلة يعني أن إيران مستعدة - بأثمان ومقايضات - أن تدخل عصر المؤسسات بدلا من عصر الرمزية والثورة الذي انتهى بمجيء خاتمي قبل ثماني سنوات. وعلى رغم تشعب التحديات التي تواجه هذه القوة الإقليمية، فإن الأبجدية السياسية الإيرانية تتمحور بوصلتها الآن، وأكثر من أي وقت مضى، في الدفاع عن آخر موديلات الإنتاج الايراني وهي "سحر المفاعلات النووية"، فطهران اليوم تخوض حربا مستميتة من أجل ما تسميه بـ "حقها الطبيعي والمقدس" في التمتع بخيار نووي سلمي يضمن للإيرانيين قوة بعيدة المدى في خريطة هذه المنطقة الملتهبة من العالم. الإدارة الإيرانية للملف النووي كانت ولاتزال ناجحة وذكية بشهادة المحللين الاستراتيجيين الدوليين حتى في عقر الولايات المتحدة نفسها، وطهران حازت على درجة الامتياز في استعمال لعبة "القط والفأر" مع المجتمع الدولي الذي تتصدره واشنطن وحليفاتها. فأربع سنوات من عمر المكنة الإعلامية أكسب إيران غالبية الجولات في أروقة مجلس حكام وكالة الطاقة النووية. إن شعار "تصدير الثورة" الذي لاقى صدى إعلاميا كبيرا في الخليج وغير الخليج بدأ في عهد محمود أحمدي نجاد يأخذ بعدا آخر، فالرئيس ذهب إلى أبعد من ذلك كثيرا عندما أدلى بتصريحات تاريخية في ردهات الأمم المتحدة في عشية ذكراها الستين، فنجاد أبدى استعدادا لتزويد الدول الإسلامية بالعلوم الفنية النووية، وهنا يضرب نجاد على الوتر الحساس الذي كان يخشاه الشرق والغرب، ولكن هناك بالتأكيد من لا يبدي حماسا كافيا لطموحات طهران النووية
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 1119 - الأربعاء 28 سبتمبر 2005م الموافق 24 شعبان 1426هـ