العدد 1119 - الأربعاء 28 سبتمبر 2005م الموافق 24 شعبان 1426هـ

ثقافة الاغتيال

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

"أنت تفكر إذا أنت مقتول". هذه هي فلسفة الاغتيال السياسي في المنطقة العربية. فمثل هذه الفلسفة جاءت من ثقافة تقوم على فكرتين: الأولى، شخصنة الاختلاف. فالاختلاف برأي هذا التيار ليس نتاج أزمة اجتماعية أو مأزق سياسي وانما هو مختلق اساسا من الشخص. فالشخص هو المسئول عن اختراع المشكلة وبالتالي اقصاء الشخص يلغي المشكلة المخترعة. الثانية، تخوين وجهة النظر المضادة. فالآخر برأي هذا التيار ليس موجودا واذا وجد فإنه يعمل لجهة أخرى وله سلسلة أهداف غير معلنة. فالرأي الآخر هو خيانة أو مؤامرة سرية تخطط لها جهات أجنبية وتستخدم قوى محلية لتمرير تلك الانتقادات التي تستهدف وحدة الوطن والتوافق الاجتماعي على النظام الواحد. على أساس هذا التوجه في قراءة الاختلاف نهضت ثقافة تعتمد الاغتيال السياسي وتبرره بصفته وسيلة قصيرة وسريعة للتخلص من المشكلة المختلقة أو المخترعة من أشخاص يتعاملون مع الاجانب ضد مصلحة الوطن والشعب. هذه الثقافة إذا لها منطقها وآلياتها الداخلية وتبدأ أصلا من فكرة خاطئة وهي: نفي الاختلاف. فالاختلاف برأي هذه الثقافة ليس رحمة وانما محنة يجب اجتثاثها بقتل الأشخاص المخالفين. والخطأ الثاني الذي ترتكبه "ثقافة الاغتيال" هو قناعتها بان إلغاء الشخص يقصي المشكلة ويلغيها باعتبار ان المشكلة لا أساس لها في الاجتماع أو الاقتصاد أو السياسة وهي ليست نتاجا لأوضاع وحالات وسلوكيات وانما هي مخترعة من شخص مريض أو مجنون أو خائن يعمل لجهة. وحين يعدم الشخص تنحل المشكلة وتتقطع أوصال الأطراف الأجنبية المتآمرة على الوطن والمجتمع والدولة. بهذا المعنى تصبح قاعدة "انت تفكر إذا أنت مقتول" هي البوصلة التي توجه ثقافة الاغتيال. فهذه الثقافة تمانع فكرة الاختلاف "حرية التفكير أو الحق في التفكير" وتعتبر أن "الوحدة" تقوم على مصادرة الرأي الآخر أو تخوينه أو شخصنة مشكلته. فالوحدة في ثقافة الاغتيال تساوي رفض التعدد والغاء التضاد. أي انها وحدة لا ترى الحقيقة الا في ذاتها وترفض التسوية أو "اجتماع الاضداد". فالضد لا وجود له، واذا وجد فإن العناصر التي صنعته وهمية وليست حقيقية. ويصبح النفي "الاقصاء، الالغاء، الاغتيال" ثقافة تصنع قوتها من مشروعية الإرهاب والتخويف وتعطيل التفكير: انت تفكر إذا أنت مقتول. ثقافة الاغتيال إذا فكرة مصنوعة من أخطاء وتقوم على معادلات وهمية تفترض ضمنا ان المشكلات غير موجودة وفي حال وجدت فإن اسهل طريق لتجاوزها هو الطريق القصير والسريع: التصفية بالمسدس أو بالمتفجرة. ثقافة الاغتيال أيضا ضد العقل أو التفكير العاقل "العقلاني" الذي يلحظ وجود الاختلاف. فالعقل في حال وجوده يفترض ضمنا ان هناك مشكلات وهذه يتم تجاوزها من خلال اعتماد أسلوب الاحتواء والحوار أو البحث عن حلول لها. وهذا يعني تأسيس ثقافة مضادة للاغتيال ترى في وجهة النظر الأخرى منطقة مشتركة للحوار والاحتواء والبحث عن حلول للمشكلات. وبما ان ثقافة الاغتيال تعتمد سياسة اقصاء العقل عن التفكير وتفضل أسلوب القتل لانهاء المشكلات تكتشف مع الوقت ان المشكلات تزداد وتتسع ويحتمل ان تصبح أقوى من مختلف الحلول. ثقافة الاغتيال إذا مصيرها في النهاية قتل نفسها أو الانتحار لانها أسست منهجية في التعامل مع الآخر انطلاقا من فرضية نفي وجوده. وبما ان الضد يصعب انهاء وجوده يتحول مع الزمن إلى نقيض قوي تعجز وسائل الاغتيال عن تصفيته. في عشرينات القرن الماضي كتب احد قادة الثورة البلشفية في الاتحاد السوفياتي ليون تروتسكي مؤلفه "الإرهاب والشيوعية"... اعتبر فيه ان النقاش والحوار في البرلمان "مضيعة للوقت" وان الاختلاف في الآراء ووجهات النظر "بدعة بورجوازية" اختلقتها الطبقة الرأسمالية لالهاء العمال ومنع التطور وتأخير قاطرة التحول التاريخي. وانطلاقا من هذه النظرية الإرهابية برر تروتسكي سفك الدماء وقتل المعارضين في الدولة والحزب الشيوعي حين كان وزيرا للدفاع وقائدا للجيش الاحمر. إلا أن الأيام مداولة فانقلبت نظريات تروتسكي عليه حين نجح جوزيف ستالين في السيطرة على أجهزة الدولة والحزب وانتقل تروتسكي إلى صفوف المعارضة. ماذا فعل ستالين بتروتسكي؟ ببساطه قرأ كتاب "الإرهاب والشيوعية" وطبقه حرفيا عليه بضربه بحد الفأس على رأسه. فتروتسكي حفر حفرة ووقع فيها. وهذه هي في النهاية... نهاية ثقافة الاغتيال. انها تغتال أصحابها. "أنت تفكر إذا أنت مقتول". هذه هي الفلسفة السياسية في المنطقة العربية. إلا أنها في النتيجة معادلة تقوم على مجموعة أوهام تصنع خيالات تعاند الوقائع والحقائق والتاريخ. وحين تتضخم الأوهام في المخيلة تصبح السياسة مريضة بثقافة بلهاء تبدأ بعدم التمييز بين العدو والصديق وتنتهي بعدم التمييز بين الصديق والصديق.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1119 - الأربعاء 28 سبتمبر 2005م الموافق 24 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً