عندما تتأمل تجريف الأراضي وردم البحر في البحرين، في غياب أو تجاهل القوانين كما ورد في كتاب "إشكاليات البيئة والتنمية في البحرين" للباحث عبدالحميد عبدالغفار، تصاب بالذهول للكلف البيئية الرقمية على المجتمع في البحر وعلى اليابسة، بينما صحافتنا المحلية تتطرق فقط في عناوينها وتغطيتها للمشروعات الاستثمارية إلى أن للمشروع "كذا. ..": "سيكون له دور كبير في دعم الاستثمار والحركة السياحية، إضافة إلى خلق كذا ألف وظيفة، ويؤمل أن تصل العمالة البحرينية في المشروع إلى كذا في المئة، سبعين أو ثمانين في المئة - أقل أو أكثر، فيما تأتي كلفة المشروع بأرقام خيالية بمئات الملايين من الدنانير" تتبخر، أو تتجمع عند فئة متنفذة، وبالتالي تستنزف جزءا كبيرا من مصادر الطاقة الكهربائية، ومصادر الموارد المائية، والتخريب البيئي، الأمر الذي يشكل عبئا على الموازنة العامة، وعبئا على مواردنا الطبيعية المحدودة، وكارثة بيئية لا يحمد عقباها.
تجريف الأراضي
يقول عبدالغفار: إن البحرين شهدت عمليات تجريف واسعة النطاق في مختلف المناطق، وقد كان ذلك على مرحلتين، المرحلة الأولى كانت فيه الأراضي عامرة، إذ تعدت التنمية الاسمنتية آنذاك على أخصب الأراضي الزراعية؛ أما الثانية، فبدأت مع هلاك الزراعة وامتداد ظاهرة التصحر إلى مناطق كانت مكتظة بالنخيل. في الحالتين، نجم عن عمليات تجريف الأراضي، تحويلها إلى وحدات قابلة للبيع بعد تهيئتها بالبنى التحتية اللازمة بهدف جني الأرباح". "ص 44". ويستطرد عبدالغفار قوله حول ضياع الحزام الأخضر إن "عمليات التجريف شملت تلك الأراضي الواقعة في نطاق الحزام الأخضر الذي حدد في العام .1968 والغريب أن التصريحات الرسمية تعطي شرعية لعمليات تملك الأراضي داخل الحزام الأخضر الذي كان يتوجب عدم المساس به تقيدا بالقانون، وآخر التصريحات تؤكد ذلك، قول وزير شئون البلديات والزراعة: الأولوية ستمنح للتعمير واستثمار الملاك لأراضيهم داخل منطقة الحزام الأخضر". "بتاريخ 11 فبراير/ شباط 2004". وتساءل عبدالغفار: كيف أصبحت "أراضيهم" وهي داخل الحزام الأخضر؟! "ص 45".
تشريعات نموذجية... ولكن
وبنقلة سريعة على تجاهل القوانين والتشريعات وضربها عرض الحائط يؤكد الباحث عبدالحميد عبدالغفار أن "هناك قدرا وافرا من التشريعات النموذجية، بيد أن إمكان تنفيذها غائب، وأبرز مثال على ذلك، التشريعات الخاصة بحفر آبار المياه والردم في خليج توبلي. فبالنسبة للمياه، وعلى رغم صدور مراسيم وقرارات بوقف سحب المياه الجوفية وتجريم حفر الآبار إلا للمصلحة العامة، استمر عدد الآبار في الارتفاع من دون توقف منذ العام ،1952 وبالمثل، على رغم صدور تسعة مراسيم وقرارات تمنع إلقاء المخلفات وعمليات الدفان في خليج توبلي منذ السبعينات، استمرت مساحات الخليج في التقلص من 24 كم مربع إلى حوالي 8 كم مربع في العام ،2002 وهذا تماما ما هو واقع الحال في خليج عراد". "ص 66-67". على هذه الخلفية يبدو واضحا للعيان أن هناك تراجعا في مكانة البحر والزراعة والمخاطر البيئية، وتشير أحدث الدراسات البحرينية، للباحث إبراهيم عبدالقادر، إلى "إمكان المتغيرات البيئية والاقتصادية والاجتماعية والتقنية التي تشهدها البحرين صاحبتها جوانب سلبية طالت الثروة السمكية، ومن بين تلك المتغيرات الأنشطة البشرية المضرة بالبيئة البحرية، كعمليات الحفر والردم واستخلاص الرمال وتصريف المصانع" "ندوة عقدها مركز البحرين للدراسات والبحوث في 16 فبراير 2004".
طغيان التصحر
الشيء الذي لا تخطئه العين، إن ظاهرة طغيان التصحر المتعمد بدأت تزحف على البحرين بطولها وعرضها بفعل الزحف العمراني، بينما نجد الإعلام على الجانب الآخر يروج زيادة الرقعة الخضراء، ويعطي عبدالغفار أرقاما مرعبة لحجم هذه الظاهرة المخيفة بقوله: "ان التصحر قضى بالكامل على منطقة "بوقوة"، وتصحر سترة والنبيه صالح بنسبة 90 في المئة على رغم شهرتها بالعيون كعين الرحى وعين الشيخ وغيرها، وتصحر ربع عذاري وجنوسان. أما الحزام الأخضر، فلم يتبق منه وفقا للتصريحات الرسمية سوى 60 في المئة فقط" "ص 99". يقابل ذلك، وعلى رغم محاولات الجمعيات البيئية "العشر" في المملكة، وهي: جمعيات "أصدقاء البيئة، وحماية الحياة البحرية، والبحرين للبيئة، والشباب والبيئة، ونادي البيئة "جامعة البحرين" والبحرين للتاريخ الطبيعي، والغوص، ولجان البيئة في مؤسسات المجتمع المدني، وجوالة المالكية"، وهذه الأخيرة جمعية نموذجية بارزة، إلا أن محاولاتهم في حماية البيئة تصطدم دائما بصخرة المتنفذين، وكم سيكون الأمر رائعا لو تحولت هذه الجمعيات العشر إلى "حزب للخضر"، في وحدة متكاملة الأهداف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تخريب بيئي متعمد.
العدد 1118 - الثلثاء 27 سبتمبر 2005م الموافق 23 شعبان 1426هـ