دعيت إلى القاء كلمة في منتدى ثقافي يشرف عليه نائب بلدي في المملكة العربية السعودية قبل أسبوع. حضرت الملتقى وكان هناك جمع من المثقفين وكانت الدعوة من النائب جعفر الشايب والمنسق الكاتب السعودي محمد محفوظ. حضرت الندوة والقيت كلمتي تحدثت فيها عن الخطاب الإسلامي بعد 11 سبتمبر/ أيلول. بدوري طرحت بعض المفاهيم وركزت على ضرورة المراجعة لاكتشاف الأخطاء المختبئة، إذ إننا مازلنا نعاني من انتفاخ ايديولوجي ونعاني من أوضاع استاتيكية جامدة. بعضنا يعيش في الالفية الثالثة، لكن عقله مجمد في ثلاجة عهد السلاجقة والبويهيين. وعلى حد تعبير الجاحظ "ان إزالة فكرة من عقل جامد أصعب من إزالة جبل من مكانه". وهذا يقودنا إلى أزمة انتفاخ الأنا وشيوع فيروسات تبرئة الذات من الأخطاء. وعقلية المواطن العربي أنه لا يقبل بدور غير أدوار البطولة، ودائما ما يبحث عن ضحية يلقي عليها أخطاءه. خرج علي في المجلس شاب متحمس، فقال الا تجد ان الغرب هو وراء تأخرنا؟ قلت له: الغرب يعمل لمصالحه وفهمنا حقيقة برغماتية الغرب وكلنا يتفق على أخطاء الغرب تجاه العرب، ولكن ينبغي عدم تبرئة النفس فمالك بن نبي شرح اشكالية كبرى نعاني منها قائمة على "قابلية الاستعمار". وهنا أسأل: هل الدول الغربية هي وراء بقاء انتشار الصراصير في مستشفياتنا ومراكزنا الصحية، هل الاستعمار هو وراء بقاء دورات المياه لبعض مساجدنا تبقى روائحها منتشرة في كل مكان وتعاني من القرف. هل "الامبريالية" هي وراء ذلك التصرف اللامسئول لبعض العوائل حينما يذهبون إلى الساحل فيلقون القمامة على ساحل غدا سيأتون إليه ليقضوا أوقات فراغهم ويريدونه نظيفا، وكم مرة رأيت شبابا يلقي القاذورات ولو كانت حاوية القمامة على بعد خطوات. وتجد مثقفا يفتح نافذة السيارة ليلقي العلب في الشارع أمام الناس وامام أطفاله في درس عملي "جميل". والغريب تجد عوائل تحرص على نظافة بيوتها داخليا في الوقت الذي يبقى الشارع العام قذرا فيما يشبه الانتقام من مجتمع لا ينتمي إليه فرد على حد تعبير المفكر العربي الجراح خالص جلبي. يقول مالك بن نبي: الحضارة ليست بالغنى، بل بالنظافة هل "إسرائيل" وراء خروج بعض أبنائنا من النافذة قبل توقف باص المدرسة. حتى القرآن نتعاطى معه بأسلوب خاطئ. هذا الكتاب العظيم بدلا من أن نتدبر آياته نسهب في الحفظ فقط، وقد كان محمد عبده حينما ينقل له خبر حفظ أحدهم للقرآن يعقب، فيقول: زادت نسخ القرآن نسخة. الآن توجد عشرات "السيديات" البشرية والاسطوانات الإنسانية التي تحفظ القرآن. الأهم من كل ذلك هو فهم القرآن، تدبر آياته تلك حكمة جميلة: التحمس في الكلام لا يعني الحقيقة وغريزة الصراخ ليست دليلا دائما على حجية الاراء. أنا أتمنى من شبابنا الاستفادة من العقل اليهودي في توظيف المأساة والاحزان لصالح الأجيال، الاستفادة من العقل الياباني في تحويل الحزن اليومي المحلي إلى حزن قومي عالمي. الاقتصاد والتطور لا يأتيانا بجلد الذات أو البكاء على ماضينا في قرطبة وذرف الدموع على عتبات الاندلس ثم نلعن الإسبان ماذا فعلوا فينا! ورجال الفكر يجب أن يبادروا إلى تعليم الناس ما هو لصالحهم ولا يخشون ازعل الصديق أو عتاب الأخ مادام هدفهم الإصلاح. يقول غاندي: القائد الذي يمشي لوحده إن تطلب الأمر من دون جماهير". وغاندي كان يجر إلى العنف وعندما قام المؤتمر الهندي في شحن كل المدن الهندية بالمظاهرات أعلن غاندي الصيام رافضا العنف وإراقة الدماء. وخير شيء لكل ذلك هو الوسطية التي يعبر عنها ارسطو خير تعبير قائلا إن كل فضيلة هي وسط بين رذيلتين. دعونا نفكر فيما هو خير لامتنا أن نعمل على نقد الأخطاء وعلى شكر الايجابيات وترسيخها بكل تجرد وموضوعية. عرفنا مصالح الغرب أين تكمن، ولكن أليس الأفضل أن نعرف أين تكمن مصالحنا كمسلمين أيضا. "إسرائيل" ستقتل، ولكن فلنفكر كيف نوصل مأساتنا بعقل ونعمر ديارنا. هنا أزمات من الغرب وهناك أزمات من أنفسنا أيضا.
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1117 - الإثنين 26 سبتمبر 2005م الموافق 22 شعبان 1426هـ