أعلن في السودان الأسبوع الجاري التشكيل الوزاري الجديد الذي جاء بناء على مقررات اتفاق السلام بين حزب الرئيس عمر البشير "المؤتمر الوطني" والمتمردين الجنوبيين سابقا "الحركة الشعبية" بزعامة النائب الأول للرئيس سلفا كير. وتضم التوليفة الجديدة نحو 80 وزيرا ومستشارا، إذ سيطر "المؤتمر الوطني" على 52 في المئة من مقاعدها، و"الحركة الشعبية" على 28 في المئة، و14 في المئة للأحزاب الشمالية، و6 في المئة للأحزاب الجنوبية الأخرى. جاء التشكيل الوزاري الجديد بعد ولادة متعثرة بسبب خلاف بين حزب البشير والجنوبيين بشأن شغل وزارة الطاقة والتعدين التي اتفقا أخيرا أن تكون بالتناوب سنتين لكل منهما. لقد استوزر في الحكومة الجديدة كل من هب ودب إلا من أبى لذلك تكونت من جيش جرار من الوزراء ووزراء الدولة والمستشارين لا أدري من أين سينفق على هؤلاء في بلد يبلغ دينه المستحق للمؤسسات الدولية نحو 27 مليار دولار. فالذين قصرت عنهم مقاعد الوزارات الاتحادية دخلوا في التشكيلة كوزراء دولة والذين لم تستوعبهم وزارات الدولة حشروا كمستشارين في القصر الجمهوري لدرجة أن اثنين منهم رفضا قبول منصبيهما لانهما بلا أعباء. فإذا أضفنا إلى هذا الجيش العرمرم من التنفيذيين، 450 نائبا في المجلس الوطني وكذلك النواب والوزراء الإقليميين في نحو 25 ولاية سودانية لتبين لنا عدم المسئولية تجاه المواطن البسيط الذي تعشم بعد مرور 50 عاما من الحرب الأهلية في التنمية والعيش الكريم. لا توجد دولة في العالم تتضمن كل هذا الكم الهائل من المسئولين التنفيذيين فإذا أجرينا مقارنة بسيطة بين وزراء الحكومة السودانية ووزراء حكومة الولايات المتحدة لوجدنا أن الأولى تفوق الثانية بنحو 15 وزيرا ناهيك عن وزراء الدولة والمستشارين. فالحكومة الاتحادية الأميركية تتكون من خمس عشرة وزارة فقط لا غير بما فيها منصب نائب الرئيس. وعلى رغم هذه التشكيلة المفرطة في الترضيات والمحاباة إلا أن غالبية القوى السودانية الكبرى مازالت ناقمة على الوضع إذ نجد هناك حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي، حزب المؤتمر الشعبي بقيادة حسن الترابي، والتجمع الديمقراطي مازالوا خارج الإجماع الوطني علاوة على متمردي الشرق ودارفور الذين لا يرون الآن أية طريق للعدالة سوى عبر فوهة البندقية.
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 1117 - الإثنين 26 سبتمبر 2005م الموافق 22 شعبان 1426هـ