هل تكفي الاعاصير التي تضرب السواحل الجنوبية للولايات المتحدة وتلحق الخسائر والضحايا بالدولة الاميركية لمنع إدارة "البيت الأبيض" من التحرك الخارجي واستئناف ما أعلنت عنه من سياسات تقويضية في منطقة "الشرق الأوسط الكبير"؟ وهل تكفي أيضا الصعوبات التي يعاني منها الاحتلال الاميركي في افغانستان والعراق مضافا إليها تلك الفضائح المالية والاختلاس والفساد والتحريض على الفتنة الطائفية واللعب على التعارضات الاهلية في منع واشنطن من استكمال ما بدأته من حروب وغزوات وتهديدات؟ إلى ذلك، هل تكفي التظاهرات المناهضة للحروب والمطالبات المتكررة بالانسحاب من افغانستان والعراق معطوفة على تلك الخسائر البشرية والمادية التي تلحقها المقاومة الحقيقية والشريفة ضد قوات الاحتلال باجبار إدارة جورج بوش على اتخاذ قرار الانكفاء والانسحاب من "الشرق الأوسط الكبير" تاركة أخطر منطقة في العالم من دون رقيب أو حسيب؟ قراءة الأسئلة تتطلب إجابات دقيقة تتعلق بالسؤال الصعب: من يتخذ القرارات في الولايات المتحدة ودول "الديمقراطيات" الغربية، وكيف تحسب تلك القرارات، وما هي الأسس الموضوعية التي تقود تلك الإدارات وتوجهها بهذا السياق أو ذاك؟ الاجابة عن سؤال "من يتخذ القرار؟" يسهل امكانات القراءة ويحدد الاحتمالات. والاجابة عن "كيف تحسب تلك القرارات وعلى ماذا تستند تلك الحسابات؟" توضح الكثير من الالتباسات التي تضخم الاوهام أو تقلل المخاطر. الشارع مهم، كذلك الرأي العام وأجهزة الإعلام، كذلك مخاوف دافع الضرائب على مصالحه ووظائفه ورفاهيته... الا ان مجموع هذه الضغوط لا تساوي في قراءة الإدارة وجهة نظر تقول بها مؤسسات النقد والصناعات الحربية ومافيات النفط واللوبيات التي تمثل مواقع اساسية في بنية الاقتصاد الاميركي. فهذه القوى تلعب دور التأسيس للسياسة وهي القوة المحركة للقرارات نظرا لموقعها في التأثير على مفاصل الدولة وتوازناتها ومداخلها المالية وطرق انفاقها للمال العام ووظائفه في المحافظة على المصالح العليا للدولة. "المصالح العليا" هي التي تحدد وجهة السير وبالتالي تلعب الدور الأساسي في تقرير الاتجاهات واتخاذ القرارات. اما الافكار والشعارات أو ذاك الكلام العام الذي يصدر عن هذا المسئول أو ذاك فهذا ليس سياسة بقدر ما هو تغطية للاهداف الحقيقية التي تخطط لها الأجهزة وتقوم الإدارة بتنفيذها. فالسياسة في الولايات المتحدة و"الديمقراطيات" الغربية تصنعها المصالح لا "الايديولوجيا". والافكار هي مجرد تكتيكات لخدمة السياسة بما تعنيه من اتفاق مجموعة مصالح على تفاهمات تلتقي عليها أجهزة الضغط واللوبيات والمافيات والمؤسسات المالية والاقتصادية. وعلى أساس هذه القراءة يصبح الكلام عن ان الولايات المتحدة ستنسحب من العراق وافغانستان بسبب فشل مشروعها أو نتيجة الصعوبات التي تلاقيها مجرد تكهن ليس بالضرورة يقف على أرض صلبة. وكذلك تكرار الكلام نفسه عن التظاهرات المناهضة للحرب أو اعصار "كاترينا" واختها "ريتا" هو مجرد "احلام يقظة" تستند إلى تحليل لا يعتمد على معلومات تتصل بالسؤال المتعدد العناصر من يتخذ القرارات في واشنطن؟ وكيف تصنع السياسة؟ وما هي الحسابات التي تعتمدها الإدارة الاميركية في رسم استراتيجيتها الكبرى؟ الإجابة عن مثل هذه الاسئلة التي تتصل بمصالح الدولة العليا واستراتيجيتها الكبرى تحتاج إلى قراءة مختلفة عن تلك المعلومات الهزيلة والتحليلات الفقيرة والاستنتاجات المتسرعة. فالضعف الداخلي في مواجهة الاعاصير والصعوبات التي يلاقيها الاحتلال في افغانستان والعراق، والتظاهرات المناهضة للحرب التي تنطلق في مدن وعواصم الغرب... لا تعني كلها وفي مجموعها العام الإدارة الاميركية كما يعنيها موضوع اخضاع قوة الدولة لمصلحة تلبية حاجات مؤسسات الاحتكار والتكتلات المالية والنفطية والعسكرية التي تسيطر على قرارات الإدارة. هزيمة الولايات المتحدة تبدأ في واشنطن والصعوبات التي تواجه قواتها في كابول وبغداد تساعد على تسريع تلك الهزيمة الا ان شروطها محكومة بوضع الدولة الداخلي ومدى استعداد اللوبيات والمافيات التخلي عن الطموحات الدولية والاطماع في ثروات العالم. فمن الداخل الاميركي تبدأ الإجابة ومنه يمكن أن نقرأ السيناريوهات المحتملة في المرحلة المقبلة
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1117 - الإثنين 26 سبتمبر 2005م الموافق 22 شعبان 1426هـ