العدد 1116 - الأحد 25 سبتمبر 2005م الموافق 21 شعبان 1426هـ

الموت والسجن عقوبة الصحافيين المحايدين في العراق

شهادات ميدانية تصف الجرائم الأميركية

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

الصحافي البريطاني روبرت فيسك مختص في قضايا الشرق الأوسط. معنى هذا أنه يعمل في واحدة من أخطر مناطق العالم. ظهور "إسرائيل" الذي أدى إلى وقوع حروب عدة في المنطقة ثم حربي العراق العام 1990 وفي العام .2003 لم تتسبب أي حرب بوقوع ضحايا من الصحافيين كما في حرب العراق من دون تفرقة، وهذا ما أكده مصرع أحد مراسلي تلفزيون "الجزيرة" في بغداد قبل عامين طارق أيوب وغيره من الصحافيين والمصورين العرب والأجانب الذين قتلوا وهم يسعون إلى تقديم صورة واضحة للعالم عن حرب العراق. منذ وقت أصبحت مهمة التغطية الصحافية لحرب العراق مناطة بالمخاطر. المتمردون من جهة وقوات الائتلاف الموحد من جهة أخرى واللصوص من جهة. هذه المخاطر يعرفها جيدا الصحافي فيسك. تحدث في مقابلة إذاعية أجريت معه أنه حين سمع انفجار قنبلة ذات يوم في مكان قريب، فقرر على الفور الفرار. راح فيسك يتابع عن بعد كيف كانت سيارات الإنقاذ تحمل عشرات الضحايا، وأضاف أنه في ظرف دقيقة واحدة كنت محاطا بجمع من المواطنين المحليين الغاضبين. أكثر من ثلاثين سنة أمضاها فيسك في المنطقة وغطى الحرب الأهلية في لبنان التي استمرت 16 سنة، لكنه يجد اليوم الوضع في العراق لا يستحق المقارنة مع الحروب التي عرفتها المنطقة. لكن عاب عليه في ذلك اليوم أنه لم يتحدث مع المواطنين الغاضبين وسماع آرائهم عن الوضع في بلدهم. قال فيسك: دفعت بي العقلانية إلى الابتعاد بسرعة عن المكان، ولكن كيف يمكننا عرض صورة واضحة عما يجري في العراق إذا لم نكتب تقارير صادقة تعكس حقيقة ما يحدث؟ هناك أسئلة لا يجيب عنها أحد. هل قتل الصحافيين عملية مقصودة؟ في حال أحد مراسلي "الجزيرة" جرى التكهن بأن الجنود الاميركيين أرادوا إرهاب فريق الفضائية الإخبارية العربية، وخصوصا أن وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد هاجم "الجزيرة" علنا لأنها تعرض صور الجنود الاميركيين القتلى، وهذا ما لا تعرضه محطات التلفزيون الاميركية. كثير من الصحافيين دفعوا حياتهم ثمنا لنقل وقائع الحرب وتقديم صورة صادقة. ليس هناك إحصاءات موثوق بها، لكن هناك افتراضات تشير إلى احتمال أن يكون عدد الصحافيين الذين قتلوا في حرب العراق 66 صحافيا. هذا العدد يزيد عن عدد الصحافيين الذين قضوا خلال حرب فيتنام التي استمرت عشرين سنة. وتتحمل القوات الاميركية في العراق مسئولية مقتل 18 صحافيا، الأمر الذي عرض الحكومة الاميركية لانتقادات من قبل منظمات الصحافة في مختلف أنحاء العالم لعدم فتح تحقيقات والكشف عن قاتلي الصحافيين في صفوف القوات الاميركية في العراق. دفعت حدة الانتقادات التي وجهت إلى وزارة الدفاع في واشنطن والقيادة العسكرية الاميركية في العراق إلى خروج الوزارة عن صمتها، وقال متحدث باسمها إن الجيش الاميركي يحقق في كل تقرير يتمتع بالصدقية ومن يدعي غير ذلك فهو لا يقول الحقيقة. هل معنى ما صرح به موظف وزارة الدفاع أن ما يقولوه الآخرون مناف للحقيقة وما تقوله الوزارة هو الصحيح؟ وفقا لتأكيدات المتحدث باسم الاتحاد الدولي للصحافيين روبرت شو تقول وزارة الدفاع الاميركية إنه يجري أحيانا فتح تحقيقات، لكن المؤسسة العسكرية تقوم بها بنفسها، علما بأن اتهامات قتل الصحافيين موجهة لها. كيف يمكن تكليف المسئولين عن قتل الصحافيين بالتحقيق في جرائم قتل الصحافيين؟ وقالت المتحدثة باسم وكالة "رويترز" للأنباء التي فقدت أربعة صحافيين ومصورين في حرب العراق سوزان ألسوب: "إن الوكالة ذات الشهرة العالمية تستخدم جميع سبل الضغط المتاحة لفتح تحقيقات والكشف عن قاتلي موظفيها من دون أن يتحقق لها النجاح حتى اليوم". وأضافت المتحدثة "صحيح أنه ليس هناك أدلة على أن القتل كان متعمدا، غير أننا نريد أن نعرف لماذا كل هذا العدد من القتلى في صفوف الصحافيين". سؤال في محله لا أحد في واشنطن مستعد للتعليق عليه. حين شنت الولايات المتحدة حملتها العسكرية على العراق في مارس/ آذار العام 2003 قامت بخطوة لم يسبق لها مثيل دلت أنها تعلمت من الحروب السابقة، إذ كانت صور القتل والدمار في حرب فيتنام التي دفعت بمئات الآلاف من الاميركيين إلى النزول إلى الشوارع ومطالبة البيت الأبيض بوقف الحرب. وحين اندلعت حرب الخليج العام 1990 بذل الاميركيون جهدا كي يخفوا انتشار صور تكشف بشاعة الحرب واستخدموا الكمبيوتر لشرح سير العمليات العسكرية. لكن هذا لم يمنع رواج صور دمار ملجأ "العامرية" الذي قتل مئات المدنيين العراقيين فيه، وكذلك صور السيارات والدبابات المدمرة، والتي التحم اللحم البشري مع المعدن على الطريق الرئيسي بين الكويت والعراق. ثم كانت فرق التلفزيون العربية والأجنبية في حرب 2003 التي كانت تنقل وقائع مغايرة لما ينقله 600 من الصحافيين الاميركيين والبريطانيين الذين أدمجتهم المؤسسة العسكرية الاميركية مع جنودها وهم يشقون طريقهم إلى بغداد. وتسجل منظمات الصحافة العالمية بقلق كيف يجري تأليب وسائل الإعلام، إذ من البديهي ألا ينقل الصحافي المرافق لوحدة عسكرية أميركية صورة حقيقية ينتقد فيها سلوك الجنود. من أبرز الأدلة على ذلك التقرير التلفزيوني الذي عرضته محطة الأخبار البريطانية "بي. بي. سي وورلد نيوز" يوم الأربعاء الماضي على إثر مهاجمة دبابات بريطانية سجنا عراقيا في مدينة البصرة واستخدمت القوة لاستعادة جنديين بريطانيين خالف القوانين العراقية. وعلى رغم أن أجهزة الإعلام العالمية أدانت سلوك الجيش البريطاني الهش ظهرت المراسلة هولي وهي تسير في أحد شوارع البصرة مع عدد من الجنود البريطانيين ترتدي سترة واقية من الرصاص وراحت تحمل من وصفتهم بالإرهابيين والمتمردين مسئولية ما جرى، وأجرت مقابلة سريعة مع الجندي الذي قفز من دبابة ضربها جمع من الغاضبين واشتعلت النار فيها ليتحدث عن دوره البطولي في الفرار من غضب الناس. الثابت أن الصحافيين الذين أدمجوا مع قوات الاحتلال لا ينقلون لنا صورة حقيقية. هناك أيضا صحافيون يقبعون في سجون القوات الاميركية في العراق. أحدهم صحافي يعمل لحساب وكالة "رويترز" ويقبع في سجن "أبو غريب" السيئ الصيت. وترفض وزارة الدفاع الاميركية كل محاولات وكالة "رويترز" بالسماح لزيارته من قبل مندوبها. وحسب تصريح المتحدثة باسم الوكالة ليس لدى "رويترز" وسيلة للاتصال بمراسلها ولا تعرف التهم الموجهة إليه، كما ليس لديها إمكانية لمتابعة قضيته قضائيا. لكنه ليس الوحيد في قبضة القوات الاميركية، ثلاثة غيره آخرون يقبعون في سجون القوات الاميركية في العراق. تشير التحقيقات إلى أن وضع العمل الصحافي في العراق يزداد خطورة يوما بعد يوم. هناك نحو 1500 صحافي أجنبي و3000 صحافي عراقي ينشطون في هذا البلد، وفقا لبيانات الاتحاد الدولي للصحافيين. قامت أجهزة إعلام كثيرة بسحب مراسليها الأجانب وأوكلت مهمة التغطية الإعلامية لصحافيين محليين. صحيح أنه بوسع الصحافيين العراقيين التحرك بصورة أسهل من الصحافيين الأجانب، لكن هويتهم الوطنية لا تضمن لهم عدم التعرض للقتل. إذ إن ثلاثة أرباع عدد الصحافيين الذين قتلوا خلال العامين الماضيين كانوا عراقيين. عوضا أن بعض وكالات الأنباء العالمية تتعامل معهم كصحافيين من الدرجة الثانية، إذ تكتفي بالتزود منهم بالصور والمعلومات وتصيغها كما يحلو لها ولا تؤمن لهم التأمين على الحياة ووسائل الوقاية كما تفعل لمراسليها الأساسيين. أما بالنسبة للصحافيين الغربيين الذين يطالعونا بتعليقاتهم "هنا بغداد" فإنهم يقبعون وراء جدران الفنادق التي يقيمون فيها ويقومون بشراء الصور والمعلومات من سماسرة المعلومات الذين اكتشفوا سوقا مهمة بفعل الحوادث، إضافة إلى الصور والمعلومات التي تزودهم بها الحكومة العراقية والجيش الاميركي. لا يجرؤ الصحافيون الأجانب على ذكر الحقيقة عن طبيعة عملهم في العراق وعدم القدرة على نقل صورة حقيقية للواقع ولا يشيرون بكلمة واحدة إلى صحافة الفنادق ولا يحتجون على قتل وسجن زملائهم، كما لا يتطرقون إلى أن المعلومات التي يحصلون عليها معرض شك في ظل عدم توفر حرية التنقل داخل الأراضي العراقية.

العدد 1116 - الأحد 25 سبتمبر 2005م الموافق 21 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً