العدد 1115 - السبت 24 سبتمبر 2005م الموافق 20 شعبان 1426هـ

"اسرائيل" تقيم الجدار والقادة العرب يباركون

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

ماذا في المشهد الإسرائيلي؟ إن "إسرائيل" توشك أن تضم إلى كيانها - بطريقة رسمية - الأراضي الفلسطينية الواقعة بين جدار الفصل العنصري والخط الأخضر، ما يؤدي الى طرد 55 ألف شخص من أرضهم. أما القادة العرب والمسلمون، فإنهم يعملون على هدم الجدار السياسي والاقتصادي الحديد بينهم وبين كيان العدو، في لقاءات سياسية وتجارية، كمكافأة لاستمرارها في احتلال الضفة والقدس في مستوطناتها الكبرى التي تجتاح الأرض الفلسطينية، وتعمل على تهويد القدس. ولعل من المهانة بمكان الأسلوب الذي يستخدمه وزير خارجية العدو في دعوته المسئولين العرب والمسلمين أن يخرجوا علاقاتهم بالعدو من السر إلى العلن، كأنه يتهمهم بالخوف من شعوبهم الرافضة لتلك العلاقات، لأن هناك هوة سحيقة تفصل بينهم وبين الشعوب التي لاتزال ترفض العلاقات مع العدو، ولذلك امتنعت عن التطبيع معه في الدول التي صالحت "إسرائيل". إن السقوط العربي والإسلامي في النفاق السياسي يمثل الضعف على مستوى الانهيار في المرحلة الحاضرة، إذ لم يعد لهم أي موقع للتوازن بفعل خضوعهم للتحالف الاميركي - الإسرائيلي. وإلى جانب ذلك، فإن اللجنة الرباعية الدولية في اجتماعها الأخير طلبت من السلطة الفلسطينية نزع سلاح المقاومة باعتبارها "منظمة إرهابية"، كشرط لأية مفاوضات مع العدو، بينما يتحدث العدو بصراحة ووقاحة عن عدم وجود شريك فلسطيني للمفاوضات، بحسب وزير خارجيته في خطابه في الأمم المتحدة! وحسنا فعل رئيس السلطة برفضه هذا الشرط باعتبار سلاح الانتفاضة شأنا فلسطينيا داخليا لا علاقة لإسرائيل ولا للجنة الرباعية به. ويمتد المشروع الصهيوني إلى رفض مشاركة "حماس" في الانتخابات البرلمانية، على رغم الشعار الأميركي عن الديمقراطية، ما يدل على النفاق السياسي الأميركي في نشر الديمقراطية... والسؤال: كيف دخلت المقاومة الفرنسية في عملية المشاركة في الدولة الفرنسية بعد الحرب العالمية الثانية؟ إن المسألة هي أن اللجنة الرباعية لا تعترف باحتلال "إسرائيل" لفلسطين، بل ترى فيها مشكلة معقدة بين ما تسميه "الشرعية" الإسرائيلية و"الإرهاب" الفلسطيني، ما يسقط كل القيم الغربية ومبادئ الأمم المتحدة في مسألة رفض الاحتلال والمطالبة بحقوق الإنسان، لأن الفلسطيني لا حقوق له لدى هؤلاء؟ إننا نتوجه الى الشعوب العربية والإسلامية لنؤكد أن الصراع مع الصهيونية على مستوى العالم كله، لأن اليهود يخططون للسيطرة على الواقع كله، ولاسيما في مواجهتهم للعروبة والإسلام، وعلينا أن نواجه هذا التحدي بالموقف القوي، والوحدة الشاملة، والوعي الحضاري المنفتح على الأمة كلها في حركة صناعة المستقبل، وإلا فستسقط الأمة في ساحة الذل والهوان. أما العراق، فإنه لايزال يعيش الجوع والحرمان والخلل الأمني والمجازر الوحشية اليومية، من خلال الطريقة التي يدير فيها الاحتلال حركته وسياسته بما لا تستطيع الحكومة المؤقتة أن تأخذ حريتها في ممارسة برنامجها، ولاسيما مع استمرار الفئات المتحركة في برنامج قتل المدنيين بشكل يومي بما لا يصل إلى مستوى قتل الجنود المحتلين. لقد أكدنا أكثر من مرة أننا مع مقاومة الاحتلال بكل الوسائل السلمية والعسكرية، ولكننا نرفض اعتبار المقاومة غطاء للذين يقتلون المدنيين بلا حساب، ويفجرون المساجد على رؤوس المصلين، ويعتدون على العتبات المقدسة، ويخططون للفتنة المذهبية، في حراسة استراتيجية الاحتلال الذي تساعده الفتنة على الإقامة طويلا في العراق لتحقيق مصالحه التي لا تلتقي مع مصالح العراق والمنطقة كلها. إننا ندعو العراقيين جميعا، والمسلمين خصوصا، إلى الارتفاع الى مستوى المرحلة بالوعي العميق، وذلك باللقاءات الحوارية بين العلماء المسلمين والقيادات السياسية المخلصة، للبحث عن مخرج لهذا المأزق الذي نخشى امتداده إلى تدمير البلد كله والناس كلهم، وبالأخذ بأسباب الحذر من التصريحات الملغومة الصادرة عن أوساط سياسية في المنطقة، أو من بعض المصطادين في الماء العكر. وإننا نتابع الحملة الأميركية الأوروبية على إيران في مشروعها النووي السلمي، بعد التأكيد الشرعي من أعلى سلطة إيرانية إسلامية بتحريم صنع السلاح النووي، ولكن المعسكر الغربي لا يريد لإيران امتلاك الخبرة العلمية النووية التي تجعلها مستقلة في إدارة مشروعاتها السلمية، بل يريد أن يبقيها في حاجة إلى الغرب ليستطيع الضغط عليها بكل وسائله. إننا نقدر للجمهورية الإسلامية رشدها السياسي، وموقفها القوي، وطريقتها في إدارة الصراع، ونريد للشعب الإيراني وللدول الحرة أن تقف معها في الدفاع عن حقها الشرعي الذي سينعكس إيجابا على حقوق كل الشعوب في صراعها مع الاستكبار العالمي. أما لبنان، فإنه لايزال يعيش في دوامة اللعبة الدولية، في وعودها الاقتصادية والسياسية بالطريقة التي لا تملك أية آلية واقعية في تحقيق ذلك، تماما كما هي وعود الدول المانحة لأكثر من دولة كأفغانستان والعراق بما لم يتحقق الكثير منها. إن أميركا ومعها فرنسا تعمل على أساس اعتبار لبنان ورقة ضغط على بعض دول المنطقة، ولاسيما سورية، في مواجهة مسألة الاحتلال الأميركي للعراق والإسرائيلي لفلسطين، بالإضافة إلى الاتهامات الكاذبة لأكثر من دولة أو تيار في لبنان والمنطقة. إننا لا نمانع من انفتاح لبنان على العالم كله من أجل الاستفادة من العلاقات الدولية اقتصادا وسياسة، ولكننا لا نريده منطقة نفوذ أميركي يتدخل في القضايا الصغيرة والكبيرة، ويعمل على إيجاد حال من الإرباك السياسي من خلال التعقيدات الطائفية والمذهبية التي تخلط الأوراق، وتثير الكثير من المشكلات التي تبعد اللبنانيين عن وحدتهم الوطنية التي يلتقون فيها على قاعدة قضاياهم الحيوية، وحلول مشكلاتهم الاقتصادية، وحركتهم الإصلاحية، وابتعادهم عن التخديرات في أكثر من مخدر قضائي وسياسي، لأن الناس يعيشون في مأساتهم الأمنية في تفجيراتهم الخاضعة لأكثر من بعد سياسي معقد، ويواجهون الكثير من أوضاع الحرمان المعيشي. إن اللبنانيين يملكون المستوى الثقافي المميز، وعليهم أن ينفتحوا على امتداداته في الوصول الى مستوى لبنان الإنسان، لا لبنان الطائفي الذي يسقط فيه الإنسان بالضربة القاضية.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1115 - السبت 24 سبتمبر 2005م الموافق 20 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً