العدد 2423 - الجمعة 24 أبريل 2009م الموافق 28 ربيع الثاني 1430هـ

المرأة والعمل من المنزل... المتطلبات والعقبات (2/3)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

وقبل تناول موضوعات المتطلبات والعقبات، لابد من تسجيل الحقائق التالية:

قلص التطور الذي ولدته ثورة تقنيات الاتصالات والمعلومات، إلى حد بعيد، أهمية العامل الجغرافي في دورة الإنتاج، وعلى وجه الخصوص بالنسبة إلى الأعمال ذات العلاقة بصناعة الخدمات، التي باتت تشكل نسبة عالية من الاقتصادات المعاصرة، وعلى وجه الخصوص تلك التي تسيرها آليات الاقتصاد المعرفي. وأقوى دليل على ذلك الخدمات التي توفرها مراكز النداء (Call Centers)، أو مراكز المعلومات (Data Centers)، التي تقدم خدماتها من مدن آسيوية لشركات غربية، زبائنها يقطنون القارة الإفريقية. والأمر ذاته ينطبق على صناعة البرمجيات التي تمثل دولة مثل الهند نموذجا حيا لها. ويعزز كتاب العالم مسطح (The World is Flat) لمؤلفه ثوماس فريدمان، هذه الحقيقة التي تثبت أيضا أن غالبية العاملين في تلك المراكز، التي تدر على دول مثل الهند وماليزيا وسنغافورة، ومؤخرا، وبشكل محدود، مصر مليارات الدولارات سنويا، هن من النساء اللواتي يعملن من منازلهن. وقد تطورت هذه الصناعة إلى ما أصبح يعرف اليوم باسم خدمات العهدة (Outsourcing).

ضاعفت قوانين الاقتصاد المعرفي من قيمة الملكية الفكرية في الإنتاج، وأعطتها، في حالات كثيرة، نسبة عالية من قيمة البضاعة، وخاصة في المنتجات والخدمات التي تولد القيمة المضافة. وتناسبت القيمة المضافة طرديا مع اقتراب الاقتصادات التقليدية من اقتصادات المعرفة. على صعيد آخر تتناسب الملكية عكسيا مع القيمة التي يولدها الجهد العضلي. ومن الحقائق التاريخية المثبتة، أن المرأة فقدت مكانتها الاجتماعية، وتقلص دورها إلى درجة التلاشي في عملية الإنتاج، مع التطور الذي عرفته المجتمعات البشرية من الاقتصاد المنزلي إلى المجتمعات الرعوية التي كانت تعتمد على عضلات الرجل في ترويض الحيوانات واستخدامها. اليوم ومع تلاشي دور القوة العضلية وتنامي أهمية القدرة العقلية في عمليات الإنتاج، تنفتح أمام المرأة، ومعها العمل من المنزل، فرصة كبيرة لتوسيع نطاق دور المرأة كي تمارس عملها الإبداعي الخلاق من منزلها الذي تقيم فيه. يعزز من ذلك أن الأبحاث العلمية لم تثبت حتى الآن التفوق الذكوري الذهني على النسائي.

جردت ثورة الاتصالات والمعلومات الرجل من كل الحجج التي كانت تزوده بها أنانيته الذكورية، التي كانت تمده بأدوات حرمان المرأة من الانخراط في سوق العمل أو تأسيس الأعمال، تحت مبررات أن ذلك سيكون على حساب التماسك الأسري من ناحية، والتضحية بتربية الأبناء من بنين وبنات من ناحية ثانية. فالخروج من المنزل للعمل، كما يزعم ذلك الصنف من الرجال، يحرم الأسرة من مساهمة المرأة على نحو صحيح من مهامها «المقدسة»، المحصورة بين جدران المنزل الأربعة، التي باتت اليوم، وبفضل تلك الثورة تشكل البيئة الأنسب لممارسة المرأة دورها في الدورة الاقتصادية.

على أرضية هذه الحقائق يمكننا الحديث عن متطلبات توفير البيئة المناسبة التي من شأنها تعزيز انخراط المرأة في دورة الإنتاج من خلال العمل من المنزل.

أول تلك المتطلبات هو خلق الوعي، بالمعنى الاقتصادي، بأهمية، بل ولربما الحاجة الملحة إلى العمل من المنزل. يسير هذا الخلق في ثلاثة اتجاهات، الأول يخاطب المرأة ذاتها كي تتوصل إلى قناعة راسخة بأن العمل من المنزل لم يعد من نصيب الفئات الهامشية في المجتمع، أو أنه لا يعدو أحد المكونات الإضافية التجميلية التي تحتل مساحة طفيلية في دورة الإنتاج، والاتجاه الثاني، يخاطب الرجل الذي ما تزال ذهنيته الذكورية القائمة على نزعة أنانية، من أجل تهيئته كي يقبل وبقناعة كاملة أن العمل من المنزل مجد على الصعد كافة، اجتماعيا لتماسك الأسرة وتكافلها، وماديا لرفع مستوى الدخل فيها وتحسين أوضاعها المالية، والاتجاه الثالث، يخاطب صناع القرار في المؤسسات الصناعية او التجارية وإقناعهم بالجدوى الاقتصادية للعمل من المنازل، سواء كان ذلك على مستوى تخفيض الكلفة أو رفع مستوى الأداء وكفاءته.

ثاني تلك المتطلبات هو بناء المؤسسات، المهنية والمدنية التي تساعد المرأة وتزيل من أمامها العقبات التي تحول دون قيامها بالعمل غير المنزلي من المنزل. والمقصود هنا تلك القنوات القادرة على تأهيل المرأة مهنيا، من خلال المؤسسات التعليمية الأكاديمية أو مراكز التدريب المتخصصة القادرة على مد المرأة بما تحتاجه من مؤهلات تجعلها قادرة على الانخراط في سوق العمل أو الإنتاج وبكفاءات تبيح لها القدرة على المنافسة والتفوق، عندما تعمل من المنزل. أما على الصعيد المدني، فهنا يبرز دور المنظمات النسائية غير الحكومية التي ينبغي لها هنا أن تمارس دورا رياديا في الربط بين مؤسسات التأهيل المهني والمرأة من الراغبة في العمل من المنزل من جهة، وبين هذه الأخيرة وسوق العمل من جهة ثانية. وفي كلتا الحالتين لا يقتصر الأمر على توفير فرص العمل فحسب، بل يتسع أفق ذلك كي يشمل ملكية المرأة وإدارتها للمؤسسات المنتجة من المنزل.

ثالث تلك المتطلبات هو بناء السوق المناسبة ذات الحاجة لمنتجات لمخرجات العمل من المنازل. ليس المقصود هنا الترويج لسوق وهمية يستفاد من الحديث عنها اوالإشادة بها في أغراض سياسية بعيدة كل البعد الأهداف الحقيقية من وراء بنائها، والذي هو توفير فرص العمل والمشاركة لأعلى نسبة ممكنة من النساء ممن يرغبن في أداء مثل تلك الأعمال أو إدارتها. السوق المطلوب بناؤها هنا هي تلك السوق المتكاملة مع الاقتصاد المعرفي الذي ترتكز الكثير من عناصر قوته واستمراره على العمل من المنزل أو ظروف بيئة إنتاجية مقاربة لها.

رابع تلك المتطلبات هو تشجيع وتحفيز بناء مؤسسات الرأسمال المخاطر (Venture Capital)، والتي هي أكثر ما يحتاج إليه العمل من المنزل، وخاصة عندما تكون المرأة هي التي تمارسه، والذي يزيح من طريقه الاستثماري الكثير من التعقيدات التي تبثها قوانين الاقتصاد التقليدي. الرأسمال المخاطر، والذهنية التي تحكم صناع القرار في مؤسساته، هم الفئة الوحيدة القادرة، وعلى أسس علمية، على الرد على من يقف ضد الاستثمار في منتجات العمل من المنزل ومؤسساته الصغيرة والمتوسطة الحجم. أبعد من ذلك يولد الرأسمال المخاطر ظروفا اقتصادية جديدة جريئة، تتكامل مع طموحاته، تقوم على تشجيع سياسات الاستحواذ (Acquisition)، والدمج (Merger)، وهما أكثر الأدوات التي تحتاجها مؤسسات العمل من المنزل، نظرا إلى صغر حجمها، وصغر رأس مالها، وضعف قدراتها التسويقية، وهي الصعاب التي تزيحها عمليات الدمج والاستحواذ من الطريق، أو تقلصها عندما تستحيل إزاحتها.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2423 - الجمعة 24 أبريل 2009م الموافق 28 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً