العذر لوسائل الإعلام ان هي التقطت جزئية واحدة ترتبط بـ "اتفاق التجارة الحرة" بين أميركا والبحرين، تلك هي المتعلقة برفع الحظر وإنهاء مقاطعة البضائع الإسرائيلية. والواقع هو أن اتفاق التجارة الحرة يشترط "مبدئيا" عدم وجود حواجز سياسية ضد الشركات التي من المتوقع أن تستفيد من الاتفاق وهذا يعني أن الشركات الأميركية التي تتعامل مع "إسرائيل" لن تتم مقاطعتها، كما يعني في المحصلة النهائية أن البضائع الإسرائيلية لن تخضع للمقاطعة. لقد تعودنا أن تفتح بعض الدول الخليجية مكاتب تجارية لـ "إسرائيل" في بلدانها، وهو الحال في ثلاث بلدان خليجية على رغم النفي الرسمي أحيانا، ولكن الصراحة تكون معدومة وغير واضحة فيما يتعلق بمثل هذه الأمور التي لها ارتباط بالمشاعر الإسلامية والعربية عموما، ولأن السياسة في بلداننا تعودت على سماع تصريحات واحدة وموحدة، حتى لو كان الواقع مختلفا تماما عما يتم التصريح به. ومن هذه الناحية، فإن نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة كان أكثر وضوحا فيما أراد قوله. كما أنه اعتبر التكهنات التي انطلقت نحو إقامة العلاقات مع "إسرائيل" بالونات اختبار تطلقها بعض الأوساط، وفي الوقت ذاته نفى وجود أية نية لإقامة علاقات مباشرة مع "إسرائيل" وربط هذا الموضوع بقرارات مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية. لاشك في أن الوضع العربي والإسلامي بدأ يتغير بصورة سريعة بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة، وبعد صدور مؤشرات بشأن العملية السلمية وترتيب الأوضاع في فلسطين وفي لبنان، بما في ذلك احتمال وصول الإسلاميين إلى مواقع مهمة في الشأن الفلسطيني، ما يتطلب الدخول في جوانب لم تكن مطروقة من قبل، ولكن هذا بالتأكيد لا يصلح لأن يكون مبررا للهرولة نحو "إسرائيل" التي مازالت لا تعترف بفلسطين أو الفلسطينيين، ومازالت تنتهك القرارات الدولية، والتي لم تكن ستنتهكها بهذا الشكل لولا مساندة أميركا غير المحدودة لها. مهما كان الأمر، فإن اسم البحرين اندرج في مجريات الحديث عن العلاقات بين "إسرائيل" والعالمين العربي والإسلامي، على رغم أن الأمر حصل لسبب آخر، وهو توقيع اتفاق التجارة الحرة. قبل نحو عشر سنوات أو أكثر أزالت دول مجلس التعاون المقاطعة عن البضائع الثانوية والفرعية فيما يتعلق بـ "إسرائيل"، وأبقت على المقاطعة الأولية، وهي المتعلقة بالبضائع القادمة بصورة مباشرة من "إسرائيل". غير أن هذا القرار ذاته لم يمنع عددا من الدول الخليجية من فتح مكاتب تجارية إسرائيلية، وظل الحديث مع الإسرائيليين خارج الدائرة العلنية. غير أن هناك مدخلا آخر للموضوع، وهو اتفاق التجارة الحرة، الذي وقعته البحرين، ومن المتوقع أن توقعه أربع دول خليجية أخرى أبدت نيتها واستعدادها لذلك. وهذه الاتفاقات جميعها تدخل ضمن استراتيجية واحدة، وأميركا أعلنت أنها تود تكوين منطقة تجارة حرة بينها وبين أكبر عدد من دول "الشرق الأوسط الكبير" مع حلول العام ،2013 وهذه المنطقة "المترابطة تجاريا" تشمل "دولة إسرائيل" من دون تحفظات على من يدخل في هذه الاتفاقات. ربما أن البعض كان أغفل الأمور لعل وعسى يتأخر الحديث عن الموضوع إلى سنوات لاحقة، لكن السياسة أمرها يشبه "الكرة المدورة"، وهي تدور بحسب ظروفها التي تحددها أمور متداخلة كثيرا. وفي وسط كل هذه التعقيدات، برز اسم البحرين وكأنها طرف أساس في العلاقات مع "إسرائيل"، على رغم أنها كانت تركز على تطوير علاقاتها مع أميركا. ملاحظة مهمة يجب استذكارها، وهي ان كل الدول حاليا تسعى للانضمام الى منظمة التجارة الدولية، وأحد شروط هذه المنظمة هو ازالة كل انواع المقاطعات الا اذا كان هناك قرار صادر من مجلس الأمن الدولي. وعليه فإن ما يقال عن البحرين هذه الأيام سيقال عن كل الدول الأخرى لاحقا، ذلك لأن الالتحاق بالتجارة الحرة هو ايضا الالتحاق بـ "أخوات" هذه التجارة، ومنها انهاء مقاطعة البضائع من اية دولة كانت. ولعل ضعف العالم العربي والاسلامي وعدم اتفاق آرائه قد حسم الموضوع مسبقا، وماهي الا مسألة وقت لتتضح الصورة أكثر للجميع
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1114 - الجمعة 23 سبتمبر 2005م الموافق 19 شعبان 1426هـ