مناقشة الآراء السائدة على الساحة بأمانة تبين أن هناك توجهين بشأن التسجيل ضمن قانون الجمعيات السياسية، وهذان التوجهان كل منهما يدعي إنه يتحرك وفق المسئولية الشرعية والسياسية التي تحتم عليه دراسة المصالح والمفاسد وترجيح الجانب الأقل ضررا على الأمة، وهنا يبرز الرأي الصادر عن الأب الروحي لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية الشيخ عيسى قاسم الذي رجح التسجيل ضمن القانون من دون الاعتراف به ومن دون أن يكون سبيلا إلى المشاركة في انتخابات 2006م المقبلة بناء على المعطيات الموضوعية التي تفترض ميل الجمعيات السياسية إلى التسجيل مع بقاء جمعية الوفاق والعمل الإسلامي خارج إطار هذا القانون، ما سيكون له أكبر الأثر في تقييد تحركهما على الصعيد الداخلي ويعطي الذريعة والمبرر القانوني لتشويه صورتهما أمام الرأي العام الدولي. وهذه الرؤية الواقعية، والتطبيق الحرفي لمعنى السياسة على أساس أنها فن الممكن حتمت على الشيخ إصدار رأيه الشخصي غير الملزم، وخصوصا أن جمعية الوفاق ألزمت نفسها كمؤسسة قانونية برأي الجمعية العمومية التي كانت ستعقد جلستها أمس "22 سبتمبر/ أيلول". أما التوجه الآخر فتمثل برأي نائب رئيس جمعية الوفاق حسن مشيمع وعضو مجلس الإدارة عبدالجليل السنكيس اللذين فضلا الاستقالة بعد أن لاحظا ميل غالبية أعضاء الجمعية إلى التسجيل والتحدي، وهما يفترضان استحالة التعايش مع هذا القانون المكبل للحريات والذي ينص على وجوب الاعتراف بدستور 2002م في اللائحة الداخلية للجمعية بحسب قانون الجمعيات السياسية. والمراقب للساحة يفترض الصحة في كلا التوجهين لأنهما ينطلقان من خبرة طويلة في التعاطي مع الحياة السياسية، وفي الحقيقة نحن نحتاج إلى كليهما، التوجه الواقعي، والتوجه المثالي. الأول نحتاجه ليكون درعا في المجلس النيابي، ومحاولة طرح أجندة المعارضة بشكل قانوني بالانخراط في العملية السياسية وحصد بعض المكتسبات الممكنة للحصول على الحقوق وتجميد بعض القوانين التعسفية التي صدرت في فترة المقاطعة، وتصحيح مسار العملية الديمقراطية، بتعديل الدوائر الانتخابية، وفرض قيم المساواة والعدالة بين المواطنين، وطرح برنامج متكامل يلخص رأي المعارضة تجاه بعض الملفات الساخنة كالفساد المالي والإداري والتجنيس السياسي وإحياء قيم المواطنة. وفي الوقت نفسه يسير التوجه المثالي بموازاة التوجه الواقعي، سواء بالطرح المتقدم بتحول جزء من المعارضة إلى أحزاب سياسية قادرة على طرح أجندتها على الساحة السياسية، وكسب ود وتعاطف المنظمات الدولية والدول الديمقراطية، ورفع مطالب المعارضة إلى أعلى سقف ممكن. أما محاولة تخوين أو تسفيه كل طرف للطرف الآخر وتحويل الاختلاف إلى خلاف وصراع فهذا لا يصب في صالح أي من التوجهين. ويجب أن نعتاد من الآن على مثل هذه الاختلافات في الرؤى والأفكار ونؤمن بالتعددية، ونمهد الأرضية لكل الأطروحات ما دامت في خدمة الوطن والشعب. وكما أن الإرادة السياسية للجمعيات شاءت أن تجمد المادة "18" لقانون الجمعيات المدنية لسنة 89م حتى تستطيع أن تمارس السياسة، فإن الإرادة السياسية ربما تستطيع أن تقنع الحكم على القبول بالواقع بتحول جزء من المعارضة إلى حزب سياسي له رؤاه وتطلعاته وبرامجه بشرط أن يعمل في الإطار السلمي، ويكون حزبا معلنا، فقد انتهت أيام قانون أمن الدولة، وأصحاب فكرة التحول الحزبي لم يعودوا خائفين على التصريح بتوجهاتهم بين الحين والآخر، بل أن توجهات جمعية الوفاق الرسمية جاءت في أكثر من خطبة وعلى لسان رئيسها الشيخ علي سلمان بالدعوة إلى التداول السلمي للسلطة، وفي حقيقة الأمر هذه الفكرة لا تختلف في محتواها عن الطرح الحزبي الذي ينادي به بعض من يدعون لمقاطعة الانتخابات النيابية المقبلة، والذي حدث في صفوف جمعية الوفاق يجب أن نتعامل معه كأمر طبيعي، خصوصا مع تخلف تجربتنا النيابية من خلال الموافقة على جميع مشروعات القرارات المرفوعة لها من السلطة التنفيذية، ما شجع على ظهور هذه الرؤى المثالية، ومحاولة الدخول إلى الديمقراطية من أوسع أبوابها بالتحول إلى أحزاب سياسية.
العدد 1113 - الخميس 22 سبتمبر 2005م الموافق 18 شعبان 1426هـ