محصلة اليوم الثاني من جهود ميليس في العاصمة السورية، ليست أكثر وضوحا من سابقتها، إذ تحاط هي الأخرى بجو شديد من الكتمان، لا ترشح من خلاله أية أخبار عما يجري خلف الجدران، إذ يجلس ميليس وفريقه مع الشهود السوريين وفي طليعتهم أربعة، يقال انهم الأكثر صلة ومعرفة بجريمة اغتيال الرئيس الحري، أولهم وزير الداخلية الرئيس السباق للمخابرات العسكرية السورية في لبنان اللواء غازي كنعان، وخليفته في المنصب العميد رستم غزالي، والعميدان المعاونان جامع جامع ومحمد خلوف. لقد أمعنت السلطات السورية في إقامة حواجزها الكثيرة لمنع تسرب أية أخبار، فاختارت منطقة خارج دمشق على بحيرة زرزر، لا يقصدها إلا القليل من الناس، وقطعت الاتصالات عن مبنى مونتي روزا، حيث تجري العملية. وفيما منعت دوريات الأمن الوصول إلى المكان، امتنع أي مسئول سوري عن الكلام في موضوع زيارة ميليس ومجرياتها، وهذه الإجراءات جميعها، تتم تحت مبرر، أن رئيس لجنة التحقيق الدولية طلب ذلك لمصلحة التحقيق، وعلى رغم ان ذلك ليس غريبا على ميليس، أن يرضي رغبة السوريين الحاكمين في مملكة الصمت. ولأن محصلة اليوم الأول لم تتبين نتائجها، فإن من الصعب معرفة إذا كان ميليس انهى استماع شهادة الأربعة الأول في قائمة الشهود السوريين، وانتقل ليسمع غيرهم، إذ تضم القائمة وفق ما يتردد اسماء أخرى من ضباط المخابرات السورية بينهم الرئيس الحالي للمخابرات العسكرية السورية اللواء آصف شوكت، والرئيس السابق للأمن الداخلي اللواء بهجت سليمان الذي تمت إقالته قبل أشهر، ثم الرئيس السابق للمخابرات العسكرية اللواء حسن خليل، ومدير المخابرات العامة السابق اللواء هشام الاختيار الذي يتولى اليوم رئاسة مكتب الأمن القومي التابع للقيادة القطرية لحزب البعث الحاكم. هذه القائمة من الشهود، وربما شهود آخرون من شخصيات عسكرية وسياسية، سيستمع لها ميليس قبل نهاية الاسبوع في سورية والتي تعني الخميس، وفق ما تسرب عن مدة تحقيقات القاضي الألماني في سورية، ما يعني ان الرجل استمع شهادات أكثر من نصف الشهود، بمعنى انه استمع إلى كنعان وغزالي وجامع وخلوف على الأقل، ويعني في الوقت نفسه، ان ملامح الموقف "السوري" صارت واضحة امامه في موضوع اغتيال الرئيس الحريري. حتى اللحظة يمكن القول، ان مهمة ميليس في دمشق تجري بشكل طبيعي في ضوء مؤشرين اثنين، الأول ان سورية أعلنت وكررت انها ستتعاون مع اللجنة، وأنه يهمها كشف الحقيقة في اغتيال الحريري، والثاني، ان القاضي الألماني بما هو معروف عنه، لن يتورع في قول ان سورية لا تتعاون على نحو ما قال في تقريره الإجرائي أمام مجلس الأمن، لو لمس تقصيرا أو ممانعة سورية في الاستماع للشهود أو في الترتيبات التي جرى الاتفاق عليها مع مستشار الخارجية السورية رياض الدواودي، وطالما أن ميلس يمضي في صمته ومتابعة عمله فإن المحصلة جيدة بصدد العملية كلها. الصمت الذي تحاط به مهمة ميليس ومجرياتها في سورية، يعكس قلقا وتوترا في شارع سوري مشدود إلى مداه منذ وقت طويل، ليس فقط بسبب ما يمكن ان تجلبه تحقيقات ميليس فيما لو ثبت تورط مسئولين سوريين في جريمة اغتيال الحريري وهو ما تنفيه دمشق بثقة كبيرة، ولا بسبب التهديدات والاتهامات الأميركية - العراقية المتواصلة لسورية بضلوعها في دور يدعم الإرهاب في العراق، وإنما بالإضافة إليها، تردي الظروف العامة في سورية الناتجة عن الفقر والغلاء والبطالة وكلها ذات معدلات عالية، تضاف إلى ترديات سياسية وإن تكن أقل حساسية بالنسبة للاكثرية السورية، وهي ناتجة عن انسدادات الإصلاح السياسي، وتصعيد السياسة الأمنية وتوسيع الاعتقالات في وقت كان السوريون يأملون في انفتاح وإصلاح ومصالحة وتغيير تواجه فيه سورية ظروفها الصعبة وعمليات الضغط والاكراه التي يبدو أنها لن تنتهي.
العدد 1113 - الخميس 22 سبتمبر 2005م الموافق 18 شعبان 1426هـ