بعد أن تكلمت عن مافيا الشركات في عمود يوم الثلثاء تلقيت الكثير من المكالمات الهاتفية والرسائل الإلكترونية... بعضها من القراء المهتمين بشئون تطور المملكة وبعضها من مسئولين في الشركات التي كنت أعنيها في مقالي... بعض المتصلين كانوا مؤيدين لما كتبته ويطالبون بالمزيد من التوضيح بشأن فائدة قانون الضرائب، والبعض الآخر طبعاً كانوا يبررون للشركات الكبيرة والعاملة في البحرين الأعذار الواهية.
من المسلّم به وبكل تأكيد أن جميع الشركات الكبيرة والعاملة في مملكة البحرين هي شركات تحقق الكثير من الأرباح، ولو كانت شركات خسرانة لأقفلت أبوابها وسرّحت موظفيها... ومادامت شركات ربحانه فهي بالتأكيد تدفع ضرائب والبقية تدفع ضرائب ولكن... وأعوذ بالله من كلمة لكن.
لكن الفرق بينها وبين الشركات الكبيرة والعاملة في الدول المتقدمة أن الشركات هناك تدفع الضرائب على المكشوف إلى مصلحة الضرائب وتتم مراجعة وضعها المالي والإداري من قبل مكاتب محاسبية متخصصة... أما في منطقتنا الخليجية فإن الضرائب تدفع من تحت الطاولات على شكل مشاركات في الأسهم وعلى شكل هبات وهدايا ومساعدات غير معلن عنها... والذي يُعلن فقط هو الفتات القليل... مساعدة لمعهد وسيارة لجمعية وشيك صغير لجامعة مع عدم نسيان تصوير مقدم المساعدة وهو فاتح فمه على الآخر بابتسامة صفراء مصطنعة تبين عدد خمسين سناً من أسنانه، مع أن الإنسان العاقل لديه فقط اثنان وثلاثون سناً (لا أعلم من أين أتى بالباقي؟).
الشركات العاملة في منطقتنا الخليجية وبسبب عدم خضوعها لنظام الضرائب، فإن أوضاعها المالية سرية جداً وغير معروفة للجهات المختصة ولا حتى للرأي العام الذي يتشكل منه كل الموظفين العاملين في هذه الشركات... الأوضاع المالية لهذه الشركات سرية جداً بحيث لا يعرف الموظفون بها إن كانت لديها أموال فائضة أو لا، وأين تذهب هذه الأموال وكيف يتم صرفها وعلى من توزع... وعلى هذا الأساس تحصل الكثير من التجاوزات والكثير من المشكلات التي لا نفهم سببها لأن الغموض والتعتيم يحيط بها من كل جانب.
في يوم الثلثاء الأول من أمس نشرت الصحف الخليجية ومن بينها إحدى الصحف الصادرة في البحرين خبر تظاهر ألفين من العمال الاسيويين في دبي وإغلاقهم لشارع الشيخ زايد وذلك بسبب تأخر رواتبهم لمدة ستة شهور من قبل الشركة التي يعملون بها... راتب ستة شهور لكل عامل تعني ثلاثمئة وستين ديناراً بحرينياً، وإذا حسبناها لعدد ألفي عامل يكون المبلغ المطلوب من الشركة هو سبعمئة وعشرون ألف دينار... وهذا المبلغ للرواتب المتأخرة فقط، وإذا أضفنا إليها ما يطلبه الممولون لهذه الشركة من معدات ولوازم بناء فسنجد أن المبلغ المديونة به هذه الشركة هو الملايين، بما يعني أن الشركة مفلسة.
بعض الشركات في البحرين تبدأ أعمالها برأس مال قدره، مثلاً، مئة ألف دينار بحريني فقط لا غير، ومن ثم تتعاقد لعمل الكثير من المشروعات الإنشائية الضخمة بمبالغ تفوق مئات الملايين من الدنانير... فكيف يحصل هذا؟... كيف نرسي عطاءات بهذا الحجم وقيمتها ملايين الدنانير على شركات رأس مالها مئة ألف فقط؟ الموضوع فيه إنّ... كيف نثق في شركة رأس مالها صغير نسبياً وربما لا تدفع رواتب موظفيها لاحقاً؟... الموضوع فيه دبل إنّ... مع العلم بأنه وبحسب القانون البحريني فإن مثل هذه الشركات ملزمة فقط بدفع قيمة رأس مالها المسجل عندما تريد إشهار إفلاسها والخروج من البلد... أما باقي مبلغ التعاقدات (مئات الملايين) فستطير إذا لم تكن طارت فعلاً... والسبب هو عدم وجود قانون الضرائب الذي يلزم جميع الشركات بكشف أوراقها وبيان حساباتها.
إقرأ أيضا لـ "سلمان بن صقر آل خليفة"العدد 1112 - الأربعاء 21 سبتمبر 2005م الموافق 17 شعبان 1426هـ