ليحدث ما يحدث داخل الوفاق، وليختلف الرفاق، لكن المهم أن تسود لغة العقل والمحبة في الأخير، فلا أحد يشكك في الآخر أو يتهمه في نيته أو يحاول إسقاطه، فالكل عمل ويعمل من أجل صلاح هذا الوطن وتحقيق مطالب هذا الشعب. التصريحات والبيانات التي صدرت في أعقاب الاستقالات، كلها تصب في هذا الاتجاه، وهو دليل نضج وتطور في الأداء، من شأنه الارتقاء بالعمل السياسي المعارض واحتواء أية تداعيات سلبية عند الاختلاف. ولا يهم إن قرر التحالف الرباعي المشاركة أو المقاطعة، مادام القرار يتم بالرجوع إلى جمهوره العريض، ووفق أجندة "وطنية" بحتة، تهدف إلى إصلاح هذا الوطن وحفظ مصالح أجياله. وفي الحالين لابد من التفكير في برنامج للمرحلة المقبلة، بدل "الانشغال" بالقوانين والفخاخ الصغيرة. وبينما لم يحزم التحالف أمره، أخذت الساحة تشهد بعض الإرهاصات، إيذانا بمرحلة آخذة بالتشكل، دشنها "الطابور العاشر" قبل أسابيع بـ "لافتات الوصايا العشر"، أعقبتها لافتات "التحرش" بالوفاق! وجاء حفل التتويج بمنع المؤسسة العامة للشباب والرياضة ندوة "أمانة المؤتمر الدستوري" في نادي العروبة. وفي الوقت الذي طلبت المؤسسة عدم إبلاغ الناس بـ "فضيلة" المنع، ربما لعدم ثقتها بنفسها أو بصحة قراراتها وسلامة إجراءاتها، فقد جاء موقف النائب الثاني لمجلس النواب الشيخ عادل المعاودة ليضع النقاط على الحروف، بنفي علاقة جمعية الأصالة بهذا الفعل الصبياني، وتأكيده استخدام "القنوات الصحيحة في التعبير عن الرأي". من هذه الإرهاصات أيضا، أن الساحة "التقليدية" المشاركة، بدأت ترتجف بعض أوصالها من مجرد تفكير التحالف بمنافستها، وهو ما سيهدد بخسارة المغانم الكثيرة التي جنتها في ظل المقاطعة. ومما يرصده المراقب أيضا، أن هناك عملية "إحماء" بدأت منذ أسابيع، ففي قبال الأجندة "الوطنية" التي التزمها التحالف، وضع بعض أقطاب الساحة التقليدية أجندة "خارجية" للانتخابات المقبلة. ولأن جمهور هذه الساحة لا يعاني - حتى الآن على الأقل - من قضايا البطالة والتجنيس والسكن، فلابد من "إشغال" هذا الجمهور بقضية تثير حميته! ولأنه ظل مبعدا ربع قرن عن مفردات مثل المسيرة والمظاهرة والمطالبة بالحقوق، فإنه يجري "استيراد" قضية خارجية ملتهبة وإقحامها في السياسة المحلية، فيتم استبدال قضية الدستور البحريني بالعراقي، ومشكلة التجنيس السياسي بالاحتلال الأميركي. من أسرار السياسة البحرين هي أيضا، انه صدر كتيب "الوصايا العشر" وبدأ توزيعه على الطامحين الجدد لمقاعد البرلمان، ومما جاء فيه: "لكي تبدأ بداية سليمة تضمن لك الأصوات، ابدأ بمهاجمة الدستور العراقي، واشتم الـ80% من الشعب العراقي الذين شاركوا في الانتخابات، واتهم بالعمالة كل القوى والأحزاب السياسية التي فضلت صناديق الاقتراع على السيارات المفخخة، ودافع عن العروبة المذبوحة في العراق، وبذلك ستضمن أصوات الناخبين في دائرتك إن شاء الله، والله أكبر... والنصر للنواب"!
التحرش السياسي!
على أن أطرف ما يمكن أن يرصده المراقب في هذه الفترة، تداعيات لافتات "التحرش" بالوفاق، فالقضية لم تعد محاصرة فتنة طائفية يريد البعض إشعالها، واستيراد جمرتها من نار العراق، وإنما ستتحول إلى قضية قذف وتشهير ضد الصحيفة التي تصدت لهذه المهزلة! وفي الوقت الذي يحزن "منفذ العملية" لانعكاس ما نشر سلبا على سمعته وعائلته، فإنه لم يفكر بانعكاس فعلته على 70 ألف مواطن هم أعضاء في جمعية سياسية بحرينية. وأكرر: حسنا ما فعله الشيخ المعاودة من إعلان موقف واضح من هذه المهزلة، لقطع دابر الفتنة، وحفاظا على السلم الأهلي. وإن كان هناك من أطل برأسه، كالعادة عند أوقات الفتن، ليدافع عن "الشجعان" الذين علقوا لافتات الفتنة، والتي لم يجد حتى النائب جاسم السعيدي محملا واحدا من الخير ليحملها عليه، فوصفها بأنها "خيانة لوحدة الوطن". هذه اللافتات تدفع إلى السؤال عن الجهة الفنية "المنتجة"، هل هي مجموعة من الهواة، أم من الطارئين على ساحة العمل الوطني؟ ولماذا اختار "الشجعان" الساعة الثانية فجرا لتعليق لافتاتهم، ونحن في مرحلة عمل علني؟ ألم يسمعوا بإلغاء قانون "أمن الدولة" بعد؟ أم أنهم من الورثة الشرعيين لتلك الحقبة الكئيبة من تاريخ البلد؟ "الشجعان" اعترفوا - ومن دون ممارسة أي نوع من أنواع التعذيب أو التعليق في المروحة أو قلع الأظافر - بأن الجهة المنتجة هي جمعية إسلامية، وعلينا أن نسأل هذه الجمعية عن الوجه الآخر من "أزمة" اللافتات: هل صدر القرار بإجماع مجلس الإدارة "فتلك فضيحة" أم بقرار فردي "وذلك استبداد واستغفال للبقية"؟ أم كان هناك انقسام في الآراء "خمسة مقابل خمسة مثلا" فرجحه الرئيس؟ بحسب علمنا ان مثل هذه اللافتة تكلف نحو عشرة دنانير، فمن أباح لكم صرف تبرعات المحسنين في موارد الفتنة؟ أليس ذلك تلاعبا بأموال ائتمنكم المتبرعون الطيبون عليها؟ ثم لماذا صرفتم خمسة دنانير على تعليقها؟ أليس ذلك تبذيرا؟ ألم يكن بالإمكان توفير الأموال باستئجار عمال "فري فيزا" بمبلغ دينار واحد فقط؟ ألا يدخل ذلك في باب الفساد المالي والإداري؟ أم أنكم تشجعون بذلك على حل مشكلة البطالة التي تعاني منها البلاد بخلق فرص عمل جديدة تفيد البلاد وتحيي العباد وتنعش الاقتصاد؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1112 - الأربعاء 21 سبتمبر 2005م الموافق 17 شعبان 1426هـ