العمل السياسي يعتمد على "العقل المدبر" لإدارته أكثر مما يعتمد على الجمهور وعلى القاعدة التي عادة ما يكون دورها السير وفق الخطط التي ترسمها القيادات، وبحسب المناهج التي تنتجها "الرؤوس" إلى قواعدها الشعبية فتبدأ المسيرة ليصل "الجميع" إلى الهدف، أو يتخلف "الجميع" عنه. الخطورة في العمل السياسي ليس البطء في الوصول إلى الهدف، ولا حتى الابتعاد عن الهدف نفسه والسير في اتجاه معاكس، لأن تخطي الجميع ببطء، أو حتى سيرهم في اتجاه معاكس خير من انشقاقهم، وخير من افتراقهم فرقا شتى، فهم عندما ساروا "جميعا" في اتجاه معاكس إلى الهدف سيغيرون اتجاههم "جميعا" عاجلا أم آجلا. أخطر ما يمكن أن تواجهه التنظيمات السياسية، والحركات المطلبية هو توقف قياداتها عند مفترق طرق فيختار كل واحد منهم سبيلا، فتتشتت العصي فيسهل كسرها، فيصبح حينها سير "الجميع" في الاتجاه المعاكس للهدف أرحم من تخبط "الجميع" فتتبدد الأحلام السياسية الوردية التي اجتمعوا يوما من الأيام ليعملوا على تحقيقها. النتيجة شبه الحتمية للانقسامات السياسية هي أن يصبح كل طرف هدفا للطرف الآخر، وأن تتحول المواجهة بين رفاق الأمس فيصبحوا أعداء اليوم فيكون الغد أسوأ من بطء المسير إلى الهدف، أو حتى الخطأ في الطريق إليه. أحد أهم أسباب نجاح العمل السياسي قدرة قواده على "التحزب" مع بعضهم بعضا، واستطاعتهم الذوبان في آراء بعضهم بعضا، فيتحاورون حوار الأشداء، ويتراشقون آراءهم ولكن في غرفهم الخاصة التي يطبخون فيها قراراتهم ويخرجون إلى قواعدهم الجماهيرية بكلمة واحدة يذوب فيها المعارض لها أكثر من ذوبان المؤيد لها. أكبر ظلم تمارسه القيادات السياسية في حق قواعدها الشعبية أن تسمح لها بالشتات، والافتراق، والتمزق، وعندما تسمح القيادات بذلك فإنها تسترخص وحدة قواعدها الشعبية، فلا أرى عملا سياسيا انتقل من مربعه الأول إلى مربعه العاشر بقاعدة ممزعة الأطراف، وممزقة الجسد، ويمكن التمعن في الأمم التي حققت نجاحا في تاريخها السياسي، سيكون جليا أن تلك الأمم هي التي أبحرت في سفينة واحدة فأخطأت الطريق مرة، وأصابته مرة أخرى إلى أن رست في المرسى التي أبحرت إليه، وأما السفينة التي انقسمت في عرض البحر إلى سفينتين، فأبحرتا طويلا إلى أن ضلتا المرسى، ولما التقتا اصطدمتا في عرض البحر فغرق الجميع فلم يجدوا حتى من ينتشل جثثهم!
إقرأ أيضا لـ "عقيل ميرزا"العدد 1112 - الأربعاء 21 سبتمبر 2005م الموافق 17 شعبان 1426هـ