بعد مضي أقل من 72 ساعة على توقيع الاتفاق المبدئي "الاطار" بشأن البرنامج النووي الكوري الشمالي اخذت التفسيرات تتباين في توضيح تفصيلات متعلقة بحق بيونغ يانغ في انتاج الطاقة السلمية. واشنطن رفضت الاقرار بهذا الحق واكدت موقفها المتشدد واصرت على ضرورة تخلي كوريا الشمالية عن برنامجها النووي وتدميره قبل البحث في النقاط الاخرى. لماذا تراجعت الولايات المتحدة عن موقفها؟ يرجح ان السبب هو إيران وخوف واشنطن من ان تستفيد طهران من هذا الحق الذي اعترفت به في بكين لمصلحة كوريا الشمالية. فايران تطالب بهذا الحق وتؤكد ان برنامجها النووي وضع لاغراض سلمية، وبالتالي فانها لا تريد من اميركا اكثر مما اعطته لكوريا الشمالية. ويبدو ان إدارة "البيت الأبيض" تنبهت إلى هذا الموضوع لاحقا وسارعت فورا إلى توضيح اعتراضاتها حتى لا تحسب الموافقة الضمنية عليها في وقت تبحث الوكالة الدولية مشروع قرار ينص على نقل البرنامج النووي الايراني إلى مجلس الأمن. الموافقة الاميركية على حق كوريا الشمالية في انتاج الطاقة النووية لاغراض سلمية ومدنية تضع واشنطن في موقف صعب حين تبحث المسألة نفسها مع طهران. فاذا وافقت هناك "بيونغ يانغ" لماذا تعترض على الموضوع نفسه في مكان آخر؟ ولهذا السبب اثارت واشنطن المسألة وجددت اعتراضها حتى تسهل لوكالة الطاقة عملية نقل الملف إلى مجلس الأمن، وتسحب الذريعة من الدول التي تؤيد طهران في معركتها. كل هذه المناورات الاميركية يمكن قراءة عناصرها في ظل انحياز واشنطن لـ "إسرائيل". فهذه الازدواجية في المعايير والنفاق الدولي في التعامل مع الاطراف الاقليمية تصب كلها في دائرة حماية أمن "إسرائيل" وضمان تفوقها العسكري. وهذا الانحياز يؤكد مجددا حقيقة واضحة وهي ان ظروف ايران الدولية والاقليمية تختلف عن ظروف كوريا الشمالية. فالاخيرة مضمونة دوليا "الصين" ولا وجود لمخاوف اسرائيلية بشأن ملفها. بينما ايران فان وضعها الدولي غير مضمون من روسيا، مضافا إليه تعرضها الدائم إلى تهديدات اسرائيلية وضغوط مستمرة تمارسها تل ابيب على واشنطن. فالعامل الاسرائيلي في موضوع الضغط على الملف النووي الايراني يعتبر اساسيا في التحريض، وهو كان ومازال يلعب دور المحرك في دفع إدارة "البيت الأبيض" للضغط على أوروبا والوكالة في إثارة المسألة. "إسرائيل" اختلقت الكثير من الاكاذيب بشأن ذاك الملف واثارت حوله المخاوف والتكهنات حتى تبقي المسألة على نار مرتفعة. مشكلة ايران اذا مع "اسرائيل" في الدرجة الأولى بينما كانت مشكلة كوريا الشمالية مع تايوان وكوريا الجنوبية واليابان. و"اسرائيل" في الحسابات الاميركية "فوق الجميع". ولهذا تحركت اميركا مرارا للضغط على أوروبا ووكالة الطاقة بدعوى ان خطر الملف النووي الايراني يهدد دول "الشرق الأوسط" ويقلق أوروبا. هذا الادعاء الاميركي/ الاسرائيلي هو اساسا خدعة لجأت إليها تل ابيب لتغطية مصلحتها الخاصة، مستفيدة من نفوذها القوي في تحريك الملف والتحريض بشأنه وطلب المساعدة من واشنطن لدفعه إلى مجلس الأمن. المشكلة الآن ان "اسرائيل" نجحت في تحويل حساباتها الخاصة واعتراضاتها ونفاقها إلى قضية دولية وأصبحت تعتبر نفسها جزءا من معسكر دولي واقليمي وفي خندق واحد مع أوروبا ودول "الشرق الأوسط" وبالتالي ليست وحدها معنية بالأمر. حيال هذا الأمر كيف ستتصرف ايران؟ الاجابة صعبة لانها تتصل بتعقيدات تبدأ بالحق "حق ايران في انتاج الطاقة السلمية" وتنتهي بالظلم "نفاق "اسرائيل" ومعايير الولايات المتحدة المزدوجة". وبين الحق والظلم هناك موازين قوى ومدى قدرة طهران على الدفاع عن مصالحها في ظروف دولية واقليمية تختلف عن تلك التي ضمنتها كوريا الشمالية في بكين. وفي النهاية الكلمة الاخيرة في تقدير هذا الشأن تعود للقيادة الإيرانية
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1112 - الأربعاء 21 سبتمبر 2005م الموافق 17 شعبان 1426هـ