الأكاديمية الملكية للشرطة في جو شهدت صباح أمس تخريج الدفعة الأولى من شرطة المجتمع برعاية وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة. هذا النوع من العمل الشرطي يمثل استراتيجية جديدة للمحافظة على أمن المجتمع بالاعتماد على المواطنين الذين ينتمون إلى المحافظة نفسها والقرية والحي نفسيهما، وبعد أن تدرب هؤلاء على مبادئ الانتماء إلى الوطن واحترام حقوق وحريات الناس. مئة وتسعون شرطيا تخرجوا أمس، منهم 39 من الإناث، بعد أن قضوا 27 أسبوعا في التدريب المتطور الذي صهرهم في بوتقة واحدة، وهي البحرين، التي تحتضن كل أبناء وبنات الوطن من دون تفريق على أي شيء سوى الكفاءة والإخلاص للوطن. الرؤية المستقبلية للشرطة المجتمعية تشمل توفير الأمن والطمأنينة، وفن الإدارة الطارئة، وفن التخاطب مع الجمهور، والمحافظة على حرية وحياة المواطنين والممتلكات، والأهم من كل ذلك المحافظة على مبادئ حقوق الإنسان. شرطة المجتمع ليسوا "مخبرين"، وإنما هم رجال أمن يخدمون مجتمعهم أولا وأخيرا، وهو مفهوم متطور تم اعتماده في عدد من الدول الديمقراطية المتقدمة. وهذه الفكرة تناسب بلادنا التي عانت كثيرا في الماضي بسبب ضعف العلاقة بين رجال الأمن والمواطنين، وهي علاقة كانت دون المستوى المطلوب. الشرطة تأسست في الثلاثينات من القرن الماضي، واستعانت الإدارة التي يشرف عليها آنذاك المستشار البريطاني تشارلز بليغريف، بمجموعة من الشرطة العراقيين "من العهد الملكي آنذاك"، وتم بعد ذلك استبدالهم بشرطة من مناطق أخرى من خارج البحرين. وكان إحد تبريرات المستشار البريطاني آنذاك هو أن المجتمع البحريني صغير والجميع يعرف بعضه الآخر، ولذلك فإن ضبط الأمن يحتاج إلى مجموعة ليست لها علاقات اجتماعية مباشرة تمنعها من تنفيذ المهمات الموكلة إليها. هذه الفكرة ربما تكون صحيحة من الناحية الفنية، ولكنها غير صحيحة على المدى البعيد، لأن الشرطة إذا ارتبطت هويتها برمزية غير وطنية فإنها تصبح "نبتة" غريبة مرفوضة من قبل المجتمع. الشرطة في البحرين كانت دائما تحت إشراف عدد من البريطانيين حتى أواخر التسعينات من القرن الماضي، وكان أحد أسباب الأزمة السياسية سابقا هو أن "القبضة الأمنية الحديد" إنما زادت الوضع توترا وأعطت زخما للمعارضة التي رفضت الانصياع لجهاز قائم على إدارة أجنبية لا يهمها كثيرا لو رزح أبناء الشعب في السجون وتحت التعذيب. الوضع في السابق لم يكن بلون أبيض وأسود فقط، كما أن الوضع الحالي لن يكون بلون أبيض وأسود، فطبيعة الحياة معقدة، والألوان تتداخل في كل جانب. ولذلك، فإن استنباط قوة أمنية من الألوان المتداخلة للمجتمع سيساعد على الخروج بأنموذج متطور نابع من داخل التركيبة البحرينية. يوم أمس تجمع الأهالي "من مختلف اصناف المجتمع البحريني" لمشاهدة أبنائهم وبناتهم، يتحركون في صفوف عسكرية على أنغام الموسيقى الحماسية التي تبث الروح الانضباطية بنسق مرتفع في الجودة والتنظيم. وكانت الأمهات والأخوات يرمين بالمشموم والورود وهن فرحات برؤية فلذات أكبادهن في صفوف تتحرك على أنغام الموسيقى العسكرية الوطنية. امتزجت مع فرحة الأهالي الآمال والطموحات بأن تكون هذه الدفعة الأولى بداية عهد جديد من العمل الشرطي المعتمد على أبناء الوطن بصورة كاملة ومتكاملة، مع تمنيات بالنجاح لهذا النوع من النشاط الأمني، الذي لن يحقق ما يصبو إليه إلا إذا لمس المواطن كيف ستقوم هذه المجموعة الشرطية بالمحافظة على أمنه واستقراره وبالدفاع ايضا عن حقوقه وحرياته
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1112 - الأربعاء 21 سبتمبر 2005م الموافق 17 شعبان 1426هـ