يقول الكاتب عبدالحميد عبدالغفار في مقدمة كتاب "إشكاليات البيئة والتنمية في البحرين": ان "مملكة البحرين شهدت خلال العقود القليلة الماضية تطورات تنموية كثيرة تركت آثارها الإيجابية على البعد الاقتصادي، بيد انها خلفت آثارا سلبية بالغة على البيئة في البر والبحر وعلى اليابسة. ومع استمرار ردم البحر وتجريف الأراضي أضحى موضوع البيئة هما وطنيا من الطراز الأول، وأصبحت أسبابهما ونتائجهما تمسان بعدين لا يمكن إغفالهما، البعد الاقتصادي، والبعد الاجتماعي، لذلك فالبعد السياسي لابد وأن يكون حاضرا". "ص9". وعبدالغفار عندما يقول هذا الكلام وهو باحث متخصص يتحدث بلغة الأرقام وبالادوات العلمية والبحث العلمي والمعلوماتي مشفوعا بالصور الفوتوغرافية والعمل الميداني الذي يكشف لنا "الكوميديا السوداء" بنزاهة موضوعية لا مكان لها من المبالغة أو الغنج السياسي. فهناك جداول بيانية وصور لردم البحر وتجريف الأراضي والطيور التي انقرضت أو كادت، ومجمل المناطق الساحلية في المملكة بفعل الردم. ويقول عبدالغفار ان "جزيرة المحرق سجلت أكبر زيادة في المساحة مقارنة بمجمل مناطق البحرين، إذ ارتفعت إلى 35,5 كيلومترا مربعا في العام 2002 مقارنة بحوالي 13,88 كيلومترا مربعا فقط في العام ،1968 مسجلة ارتفاعا بنسبة 155,8 في المئة خلال 34 سنة، بمتوسط سنوي 4,6 في المئة". واعتبر عبدالغفار أن "عدم وجود رؤية تنموية تسبب في غياب مفهوم استدامة التنمية، ويعد هذا العامل أحد أهم أسباب تقلص مساحة خليج عراد "دوحة عراد" بالرغم من كونه من أكثر مناطق المحرق غنى بالتنوع البيولوجي، وما إيقاف بعض عمليات الردم الخطيرة في اللحظة الأخيرة استجابة لإطلاق صفارات الإنذار في الصحافة المحلية في السابق سوى دليل أكيد على غياب التكامل بين البرامج والتنمية". "ص15". ومن خليج عراد إلى خليج توبلي، إذ يعتبر هذا الأخير من أكثر المناطق غنى بالتنوع البيولوجي، إلا إنه يعد من أكثر مناطق التنوع البيولوجي تضررا على الاطلاق في البحرين، إذ إنه "وبخلاف خليج عراد، ومناطق التنوع البيولوجي في جزر حوار، يشهد ومنذ وقت طويل ثلاثة مصادر قضت على قدر كبير من محيطه الحيوي، فبجانب عمليات الردم البحري، تهدد التنوع البيولوجي فيه أنشطة غسيل الرمال ومعامل الإنشاءات الخاصة، إضافة إلى عمليات تصريف مياه الصرف الصحي من محطة توبلي لمعالجة مياه الصرف الصحي "مياه المجاري"". "ص23".
نهاية مأسوية لخليج توبلي
وعندما يتم تسجيل التغيرات في خليج توبلي عبر الزمن يكشف لنا الباحث تقلص هذا الخليج الذي كان مكانا طبيعيا لتكاثر الروبيان. ففي سنة 1956 كانت مساحته 24 كيلومترا مربعا، حتى تصل مساحته إلى سنة 2000 إلى 10 كم فقط، وبما إننا نعيش في العام 2005 والردم لايزال قائما على قدم وساق وبالشاحنات العملاقة، على رغم اعتباره محمية بيئة، فإن الدافنين لم يتوقفوا عن الردم من دون اكتراث أو وازع من ضمير، ولم نعرف بالأرقام مساحة هذا الخليج قد وصلت إلى ستة كيلومترات أو خمسة أو أكثر أو أقل، لكنه حتما أقل من 10 كم كما أورده الباحث في سنة .2000 والأنكى من ذلك، تلقى مخلفات الحيوانات المذبوحة بالقرب من أشجار القرم وعلى سواحل الخليج من دون إدراك للآثار البيئية السلبية لتلك التصرفات. وهذا الحديث يسري على بقية السواحل، إذ باتت مملكتنا بفضل "ضريبة العصر" ربما، أو بسبب جشع المتنفذين، جزرا بلا سواحل، ومناطق بلا سواحل بطول البحرين وعرضها، جزرها ومناطقها، والتخريب البيئي المتعمد قد أصابنا بالقرف. وللحديث صلة لنزيد أوجاعنا وجعا آخر عن تجريف الأراضي وتكاثر المباني الاسمنتية و"العوسج"، وهي: شجرة شوكية معمرة من الشجيرات التي يتشاءم منها البدو ويزعمون أن الجن يسكنها... ونحمد الله القدير إننا لسنا بدوا، بل حضريين
العدد 1111 - الثلثاء 20 سبتمبر 2005م الموافق 16 شعبان 1426هـ