هل تكرر الولايات المتحدة السيناريو الكوري الشمالي مع إيران؟ محاولة الإجابة تقتضي قراءة اختلاف المشهد بين جنوب شرقي آسيا وما يسمى بمنطقة "الشرق الأوسط الكبير". كوريا الشمالية خاضت معركتها ضمن شروط مختلفة تعمل لمصلحتها وتحت سقف دولي رعته الصين وتكفلت بحمايته. وبسبب تلك المواصفات الدولية والإقليمية استطاعت كوريا الشمالية إدارة اللعبة بتنسيق مع بكين ومن دون مخاطرة. كذلك نجحت الصين في توظيف التوتر الإقليمي المحدود لتحسين شروط التفاوض مع الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية مستفيدة من مخاوف دول اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية وقلقها من احتمال انزلاق المنطقة نحو السباق العسكري النووي. وفي ظل هذه الاحتمالات وتنوع مصادرها وخوفا على الاستقرار في جنوب شرقي آسيا وحاجة واشنطن للتفرغ إلى مناطق أخرى أكثر أهمية وحساسية توصل المتفاوضون إلى استدراج عروض تحفظ حقوق كوريا الشمالية مقابل تنازلات هي في غنى عنها مادامت الحماية الدولية "المظلة النووية الصينية" متوافرة لديها. هذه الظروف والعوامل والاحتمالات غير موجودة أو غير مضمونة بالشروط نفسها في معركة إيران دفاعا عن حقوقها المشروعة. فإيران من حقها أن تنتج الطاقة السلمية، إلا ان الحق في "عالم مستبد" يستلزم مجموعة شروط لابد من توافرها للدفاع عنه وحمايته من الغدر. القراءة السريعة للمشهد تكشف عن جملة اختلافات بين ظروف كوريا الشمالية وظروف إيران. فالأولى غامرت في سياق مدروس وتحت مظلة دولية رعتها الصين واستثمرتها واشنطن اقتصاديا من خلال تجديد حاجة اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان إلى مظلتها العسكرية. هذه المعادلة في المشهد الكوري الشمالي غير متوافرة في إطار مسرح "الشرق الأوسط الكبير". فالوضع الدولي يختلف عن ذاك الذي ضمنته كوريا الشمالية. والوضع الإقليمي ليس مساعدا لإيران لتخوض تجربة مشابهة في ظل هيمنة أميركية سياسية وظروف عسكرية متغيرة فرضتها على المنطقة بعد احتلالها لأفغانستان والعراق. يضاف إلى اختلاف العاملين الدولي والإقليمي وجود دولة تدعى "إسرائيل". فالولايات المتحدة تقدم هذه الدولة على مجموع مصالحها في جنوب شرقي آسيا. فالحسابات الأميركية في آسيا "شرقها وجنوبها" اقتصادية. بينما في "الشرق الأوسط" سياسية/ إسرائيلية. هذا الفارق الجوهري في المعايير الأميركية يجب أخذه في الاعتبار في إطار حسابات الربح والخسارة. فـ "إسرائيل" اقتصاديا لا قيمة لها قياسا بحجم دورة الإنتاج في اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية. كذلك مصالح أميركا الاقتصادية تميل إلى العرب والدول الإسلامية، ومع ذلك نجد واشنطن مستعدة للتضحية بعلاقاتها مع الدول العربية والإسلامية لمصلحة "إسرائيل" في وقت تظهر بعض الليونة مع كوريا الشمالية لتضمن حصتها في إطار اقتسام النفوذ مع الصين. "إسرائيل" هي الاستثناء في رؤية أميركا الاستراتيجية لنقاط التوتر في العالم. ففي هذه المنطقة تغلب السياسة على الاقتصاد والمصالح، بينما في آسيا "جنوبها وشرقها" تغلب الاقتصاد والمصالح على السياسة. السيناريو إذا غير متطابق، وظروف إيران الدولية والإقليمية مختلفة. فروسيا مثلا غير الصين وحاجتها لطهران أقل من حاجة الصين إلى كوريا الشمالية. و"الشرق الأوسط" غير جنوب شرقي آسيا. فالأخير يمكن المناورة في مسرحه نظرا إلى تعدد القوى والأطراف، بينما الأول أكثر أهمية وحساسية وفيه تنقلب اللعبة نظرا إلى وجود طرف يسيطر على المسرح الإقليمي ويتلاعب بالمشهد ضمن حسابات خاصة لا تتعارض مع استراتيجية الولايات المتحدة. ولهذا يرجح ألا يتكرر السيناريو الكوري مع إير
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1111 - الثلثاء 20 سبتمبر 2005م الموافق 16 شعبان 1426هـ