أنجزت الحكومة بناء وحدات سكنية لأهالي قرية "المقشع"، لكنها قررت ان توكل مهمة توزيع البيوت للنائب جاسم الموالي. وبالمثل، أنجزت خرائط نادي النجمة وسلمتها للنائب السعدي محمد. ردود الفعل لم تتأخر... وجدنا ان هناك نزاعا في المقشع والاهالي يشتكون من التوزيع وثمة اتهامات تتطاير. اما في القضيبية فقد جاء من يتساءل: ما دخل النائب السعدي بخرائط نادي النجمة؟ تبدو الحكومة في مثال بيوت المقشع كمن راح يتوضأ للصلاة وأنجز الوضوء كاملا وراح يصلي الركعات حتى وصل إلى التحيات فاقدم على ما يبطل الصلاة كلها. جاءت مبادرة الحكومة لبناء بيوت لأهالي المقشع ضمن خطوة استثنائية أثمرت عنها زيارة ولي العهد للقرية قبل نحو عامين أثناء وضع حجر الاساس للمدينة الشمالية. لقد تجرأ الاعلام الرسمي وقتذاك على اظهار البيوت المتداعية والسقوف المتآكلة فيما ولي العهد يطوف مع الاهالي ويستمع الى شكواهم. لكنها اذ قامت بذلك "مشكورة طبعا" جاءت في النهاية لكي تجعل الانجاز يتحول إلى مادة للنزاع. وهي الى هذا، تظهر فهمها للحياة النيابية ودور النواب والعلاقة مع السلطة التشريعية ومبدأ المشاركة في صنع القرار على أفضل وجه. فهي بتسليمها مسئولية توزيع البيوت الى نائب المنطقة، لم تفعل سوى ان اثبتت انها لا ترى في النائب أكثر من عمدة أو مختار أو وجيه من وجهاء المنطقة. ومسألة بمثل هذه الدرجة من الاهمية للسكان من أهل القرية، لا تستدعي أكثر من إيكالها لنائب المنطقة لكي يتصرف وفق ما يمليه عليه ضميره. اما مقاييس استحقاق البيوت، ومدى الحاجة ودخل الاسرة وكل المقاييس والاولويات المعروفة في توزيع المنازل من الحكومة فقد تم التخلي عنها هذه المرة لسبب لا يبدو مفهوما. وليس هناك أي سبب يدعونا للاعتقاد ان مهمة كهذه ومقاييس كهذه يمكن ان يقوم بها فرد واحد مهما بلغت كفاءته لأنها أصلا مهمة جهاز كامل ومسئولية حكومة. اما بالنسبة لخرائط نادي النجمة، فان ادارة النادي المنتخبة من الجمعية العمومية للنادي لا تبدو مؤهلة لتسلم مجرد خرائط هندسية وهي تبدو فاقدة للاهلية بنظر السلطات، ويتعين تسليم الخرائط إلى ولي أمر. والخبر عندما يذاع يصور دوما باعتباره انجازا. يمكن ان نفهم ان صديقنا النائب السعدي قد قام بدور او مسعى في مسألة الاسراع بانجاز خرائط النادي او تحسين وضعه بشكل عام، لكن الامر بالنهاية لا يستحق كل هذا التهافت. وهو الى هذا يمثل تجاوزا غير مبرر لادارة منتخبة تمثل النادي، يوجب المنطق والحس السليم ان مسألة مقر النادي من صميم اختصاصها. في كلا المثالين، فان إيكال مهمات من هذا النوع لنواب منتخبين يبدو وكأنه تقديرا لدور الممثلين المنتخبين وممثلي السلطة التشريعية. لكن خيالنا يبدو عاجزا عن تصور ذلك لان الدافع لا يبدو على صلة بهذا التقدير المفترض للمؤسسة التشريعية والممثلين المنتخبين. انه يبدو استجابة لمنطق الوجاهة أكثر من الاحترام لدور المؤسسة التشريعية والسبب جد بسيط. فتوزيع البيوت وتسلم خرائط لناد رياضي ليست من مهمة النواب. يمكن أن يحضروا حفل تسليم البيوت لكن لا يحلون مكان الجهاز الرسمي في توزيعها. وعندما تتصاعد الشكاوى من سوء التوزيع او الفساد، فان هذه مهمة الجهاز الرسمي وليست مهمة نائب فرد يتصرف فيها بنفسه مهما بلغت كفاءته وحيدته. بل ان مسئوليته هي ضمان عدالة التوزيع والاستحقاق لا تقمص دور الجهاز الرسمي. يمكن ان يسهم في تسريع انجاز خرائط النادي ويحضر حفل وضع حجر الاساس لكن لا يتسلمها لانه لن يفعل شيئا اضافيا او خارقا أكثر من تسليمها لمجلس ادارة النادي. لكن هذا ليس بجديد، فالوزراء ظلوا يجوبون القرى والمدن طيلة السنوات الثلاث الماضية في زيارات للمجالس ويستمعون للشكاوى وتظهر البشارات في اليوم التالي: توظيف ابناء هذه المنطقة، مشروعات في تلك، بيوت للمحتاجين في هذه القرية وأخرى في تلك المدينة. وبالنهاية يحار المرء ما اذا كانت خطط الاسكان لدينا مثلا او اصلاح سوق العمل هي خطط على المستوى الوطني ام ان فيها تفاصيل على المستوى المناطقي. يحار المرء أكثر كيف ان اصحاب مثل هذه المطالب لا يرون ابعد من منطقتهم عندما يتعلق الامر بالوظائف وحل مشكلات العاطلين والمحتاجين ولا يمكن ان يرونها ضمن رؤية اشمل على المستوى الوطني، أقله أن تكون مطالبهم جزءا من الخطط المعلنة لاصلاح سوق العمل وخطط التدريب وما إلى ذلك. ونفهم ايضا ان الغالب الاعم من هذه المطالب من النوع الذي لا يحتمل التأجيل "البطالة خصوصا"، لكن هذا يؤكد من جديد هذا الميل للتعامل مع المشكلات بمنطق الوجاهة اكثر من الخطط العلمية ومقتضيات المنطق والفهم الواضح للمشاركة في صنع القرار، يضعف المؤسسة لحساب الافراد والوجاهات المحلية
إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"العدد 1110 - الإثنين 19 سبتمبر 2005م الموافق 15 شعبان 1426هـ