قمت في يونيو/ حزيران العام 2006 بإدارة ورشات عمل لصحافيين فلسطينيين في رام الله بالضفة الغربية. صُدِمت عندما اكتشفت أن التحيز الحزبي يؤثر على أسلوب عمل هؤلاء الصحافيين. كانت حركة حماس قد فازت قبل خمسة شهور بانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة، وعمل الخلاف بين حركتي حماس وفتح على تعميق الشرخ الاجتماعي القائم إلى درجة أنه استمر في إذكاء نزاع فلسطيني داخلي إلى جانب النزاع الإسرائيلي الفلسطيني القائم الطويل الأمد. إلا أن الصحافيين الذين عملت معهم أصبحوا يقدّرون الدور الذي يمكن أن يلعبونه في منع النزاعات وحلها.
يساهم العديد من الصحافيين المحليين في الخلاف بدلا من لعب دور بنّاء وتشجيع القرّاء على النهوض فوق الحزبية. أسلوب عملهم موجّه نحو النخب بطريقة لا خجل فيها، وبشكل يُفترض فيه وجود فائز وخاسر، تذكي ناره الدعاية السياسية، يهدف إلى تعرية كذب الطرف الآخر والمساعدة على التغطية على كذبنا ومماطلتنا. وصلت حرب الطروحات الإعلامية درجة خطرة بحيث أصبحت العامل الأهم في تعميق الخلافات التي أدّت إلى معارك العام 2007 بين حماس وفتح في غزة.
وقد ظهرت هذه الدينامية إلى درجة أعلى في الحرب الأخيرة بين حماس و «إسرائيل»، حيث وقعت التغطية الموضوعية رهينة للولاءات السياسية والأيديولوجية للصحافيين المحليين والإقليميين والعالميين على حد سواء. ويشرح مؤسس معهد الأمم المتحدة لدراسات السلام يوهان غالتونغ، متحدثا حول النزاع والإعلام قائلا: «يتم اختيار زاوية معينة في البداية، يتم بعدها طرح الحقائق حسب تلك الزاوية... يقترح الإعلام للقراء كيف يتكلمون عن مواضيع محددة وما الذي يجب أن يبقوا جاهلين حوله» .
تبرز هذه العبارة الدرجة التي يمكن للطروحات الإعلامية أن تفسد الفرضيات والمواقف والقراءات الجماهيرية. يقود الصحافة التي تظهر في هذه المجتمعات أحيانا كثيرة منظور سياسي متأصل بدلا من توجه براغماتي إنساني غير متحيز يسعى لتقصي الحقائق.
لم يركّز الإعلام الغربي في الحرب الأخيرة على غزة على ألم الضحايا على الأرض، ولكن أدارتْه بدلا من ذلك «سياسة المواقف» بين زعماء «إسرائيل» وحماس. وقام هذا بدوره بإذكاء نار المنافسة بين الطرفين بشأن من الذي حمل لواء «الاستقامة» إلى مساحة المعركة.
أؤمن أنه من الأساسي تغيير دور الإعلام في النزاع حتى يتسنى تجنّب إذكاء نار هذا النوع من المنافسة الذي لا يعمل إلا على تفاقم العنف. أقترح حيال ذلك ثلاث خطوات للصحافيين:
أولا، يتوجب على الصحافيين أن يتّحدوا لممارسة تقييد الذات ضد «حدة اللحظة» نفسيا عند الإبلاغ عن أنباء فورية، من حيث المضمون وأسلوب الكتابة. وبينما يحتاج الصحافيون أحيانا إلى الإبلاغ عن أحداث ذات طبيعة ملحّة، عليهم أن يفعلوا ذلك وهم على علم كامل بدورهم في تشكيل الرأي العام وقدرتهم على التأثير على السياسة.
ثانيا، يتوجب على الصحافيين أن يفكروا بشكل ناقد بافتراضاتهم الأيديولوجية. تشكّل الحاجة إلى مسألة «الثقافات الفرعية» في غرف الأخبار، واحدة من أهم التحديات التي تواجه الصحافيين في «إسرائيل» والعالم العربي والغرب، وهي مسألة قد تتطلب الانطلاق نحو تحديد طروحات اجتماعية وسياسية جديدة.
ثالثا، يتوجب على الذين يمارسون الإعلام أن يأخذوا بالاعتبار أساليب لتأطير عملهم بحيث يعملون على تشجيع السلام. بدلا من إطالة أمد الوضع العنفي الراهن، يمكن لصحافتهم أن يقودهم التزام بإعادة إضفاء الإنسانية على الآخر. مع بروز نزاعات أساسها الهوية في الشرق الأوسط أصبح التكليف الأخلاقي للصحافيين، الآن وأكثر من أي وقت مضى، العمل كوكلاء لحل النزاعات. وأبقى أنا شخصيا ذو إيمان عميق بالحاجة إلى التعاون بين الإعلام والذين يمارسون حل النزاع، نستطيع من خلال إحضار لغة حل النزاع ومنظوره إلى الجمهور أن نبدأ بتعزيز التصور الذهني العام بشعور من إمكانية النجاح.
ما هو الهدف النهائي؟ إنه تحوّل داخل التيار الرئيس للإعلام نحو ثقافة شعبينا للسلام، ووجود الشبكات الإخبارية العالمية الرئيسة في مقدمة «مساقين اثنين» لبناء السلام ومنع النزاعات. وكما صرح غالتونغ، يجب بناء السلام ليس فقط في الذهن البشري وإنما كذلك في الهياكل الاجتماعية والثقافة.
*جامعة جورج ميسون بفرجينيا الأميركية، والمقال ينشر بالاتفاق مع خدمة كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2423 - الجمعة 24 أبريل 2009م الموافق 28 ربيع الثاني 1430هـ