احتاجت "الوفاق" قبل انتخابات 2002 إلى فترة زمنية طويلة لكي تحسم أمر المشاركة أو المقاطعة، واتسمت تلك الفترة بحركة واسعة في الاستشارة وحلحلة وجهات النظر ومزج الرؤى والاستئناس بآراء القاعدة الجماهيرية وهو ما كان يفعله مشيمع خصوصا في كثير من الفعاليات. تلك كانت خطوات حكيمة استطاعت بها "الوفاق" أن تحقق أبعادا كثيرة، إلى أن حسمت الأمر بقرار المقاطعة بعد مداولات وصلت إلى طريق شبه مسدود في تباين الرؤى، ما جعل الرموز العلمائية "بشعبيتها الكبيرة" تلوذ بالصمت تحرزا من الوقوع في شراك الانشقاق. وانتصرت المقاطعة في النهاية، وقبل بها المقتنع وغير المقتنع حفاظا على وحدة التيار وتلاحمه ولتفويت الفرصة على مريدي تفتيت الجمعية وقاعدتها الشعبية العريضة. تلك الفترة الحاسمة وإن لم تفق في خطورتها بالون الاختبار الأكبر الذي رمته الحكومة في ساحة المعارضة بطرحها قانون الجمعيات، إلا أنها أثبتت قدرة التيار الوفاقي على القبول بالتعددية السياسية، واجتياز المنحنيات الصعبة. لذلك كانت المراهنة هذه المرة على إضعاف هذا التكتل الشعبي أكبر بكثير، وإن لم تنجح لعبة المشاركة والمقاطعة سلفا فها هي لعبة "التسجيل واللا تسجيل" بدأت تخترق بنيرانها الجسد الوفاقي. المفارقة في كلتا الحالتين أن أعضاء الإدارة أتقنوا الدور في المرحلة الأولى ووسعوا الدائرة الزمنية وحلقة المشاورة، ورضخ الجميع في النهاية إلى رأي الغالبية، بيد أن بعضهم في هذه المرحلة تعجل كثيرا كثيرا في حسم القرار النهائي، وسارع إلى كشف أوراقه مبكرا لمجرد معرفة توجه الغالبية المحتمل "مهما كانت أسبابه". لذلك تركت الاستقالات الأخيرة علامة استفهام كبيرة على وجوه الكثيرين جراء الصدمة: ألم نقبل برأيكم سلفا بصدر رحب على رغم اختلاف قناعاتنا؟ ألم يكن المجال أمامكم مفتوحا للبحث عما هو دون الاستقالة؟ إذا لماذا تركتمونا من أول وهلة في الاختبار نهبا لاطماع الشامتين؟!
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"العدد 1109 - الأحد 18 سبتمبر 2005م الموافق 14 شعبان 1426هـ