تحدث الزميل منصور الجمري في عدد الاثنين الماضي عن "ضريبة المطار" وتقدم بعدة أسئلة مشروعة من حيث المبدأ، وافترض أن "المطار يجمع كل سنة ما مقداره عشرة ملايين دينار نقدا، فمن يضمن أن هذا النقد الذي يمر عبر عدة قنوات "يدوية" يصل فعلا إلى الخزانة العامة ولا يتسرب إلى أماكن أخرى؟"، ثم أضاف إلى افتراضه اعتقادا وأسئلة إضافية مشيرا إلى أنه يعتقد لو أن ديوان الرقابة المالية أجرى تحقيقات في طريقة التعامل مع النقد يوميا وبصورة يدوية في القرن الحادي والعشرين في البحرين، فإنه بلاشك سيجد ذلك من الأمور غير المستحسنة حتى لو أن موظفي المطار وموظفي الدولة من الملائكة أو من الأولياء والأتقياء الذين يقر لهم الجميع بالنزاهة. فما الداعي إلى اعتماد "معاملة يدوية" في عالم رقمي يسير كل شيء فيه بعيدا عن هذا الأسلوب المتخلف؟ ثم، ما الرسالة التي تود البحرين إرسالها لكل من يغادرها؟ هل تود أن تقول له إن بلادنا متخلفة لدرجة أنها لم تجد وسيلة أفضل لتحصيل ضريبة اعتيادية سوى "المعاملات اليدوية" التي ترفضها كل الدول التي تحرص على سمعتها وتود أن تلحق بأفضل أساليب الإدارة والتقنية العالمية؟". أعتقد أن رئيس التحرير الذي تشغل ذهنه هذه الأسئلة حتى يحصل على "إجابات شافية"، وحتى يتم التخلص من المعاملة اليدوية "المتخلفة" التي "تستخدم حاليا في مطار البحرين لاستحصال ضريبة السفر من جميع المغادرين"، لن يحصل عليها لا من "ضريبة المطار" ولا من ضريبة "جسر الملك فهد"، ولا لأي ضرائب أخرى في مرافق متعددة؛ وذلك لسبب وجيه، وهو أن الحكومة لا تعتبرها "ضرائب"، بل "رسوم"، وإن كان المعنى واحدا، فإن التلاعب بالمفردات لا يغير في المضمون شيئا، إلا أن الضرائب في الدول الديمقراطية "العريقة منها وغير العريقة" لابد من شرعنتها عبر بوابة البرلمان، وإلا فإنها باطلة سواء كانت تؤخذ على المغادرين من المطار أو عبر الجسر أو البلدية، وهي الـ 10 في المئة من قيمة الإيجار على المستأجرين. وكل برلمانات العالم، والبحرين ليس استثناء، من مهماتها الرئيسية مهمتان: التشريع ومراقبة السلطة التنفيذية والمال العام؛ وكل ضريبة ينبغي أن تقر من البرلمان أولا وأخيرا، وليس من قبل الحكومة، حتى يحصل الناس على إجابات شافية عن: لماذا تؤخذ هذه الضريبة، وأين تذهب أموالها، وفي أي مشروعات تستخدم، وما هي المردودات على دافعي الضرائب... إلى آخره؟ فهل هذه الضرائب التي تؤخذ من المواطنين والمقيمين قد أقرها برلماننا العتيد؟ طبعا، لا. وهل هذه الضرائب تصرف على دار العجزة مثلا، أو لبناء حديقة للعب الأطفال، أو بناء مستشفيات مجهزة بأحدث التقنيات، أو حضانة مجانية لذوي الاحتياجات الخاصة، أو ذوي الدخل المحدود، أو ... أو ...؟ أفهمونا فقط، لأن فهمنا بطيء ومحدود، فهل يستخدم المال العام من المحصل من الضرائب هذه لبناء سكن لائق للمواطنين الذين ينتظرون أكثر من 13 عاما من وزارة الإسكان، أم ماذا؟ فقط أفهمونا! وعلى رأي "ترويسة" زميلنا محمد العثمان: "عطني إذنك"، فلتسمح لنا الحكومة بالإصغاء ولو لمرة واحدة وتقدم فواتير "الضرائب" التي تؤخذ من الناس منذ سنوات، وتسمح للبرلمان بإقرار أي ضريبة قبل أن تفرضها السلطة التنفيذية علينا من دون علمنا، وفي أي "جيب" تدخل؟ ونعرف مسبقا "إن بعض الظن إثم" "الحجرات: 12" كما تعلمناه من ديننا الحنيف، لكن الأسئلة ليست بحرام، حتى في الشئون الدينية والفقهية، فكيف في المسائل الدنيوية والقضايا التي تهم الناس وترتبط بمعيشتهم ؟
العدد 1108 - السبت 17 سبتمبر 2005م الموافق 13 شعبان 1426هـ