العدد 1108 - السبت 17 سبتمبر 2005م الموافق 13 شعبان 1426هـ

الألمان يحسمون الانتخابات المبكرة اليوم

شرودر أم ميركل؟

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

حين كان سياسيا شابا ورئيسا لشباب الحزب الاشتراكي الديمقراطي وقف غيرهارد شرودر ذات يوم خارج مقر المستشارية في مدينة بون حين كانت عاصمة ألمانيا الاتحادية وصاح بصوت عال: أريد دخول هذا المكان. انتظر شرودر سنوات طويلة وكتب له القدر أن يصبح المستشار السابع لألمانيا الاتحادية. بعد سبع سنوات سعى بنفسه قبل عام على نهاية الولاية الثانية لحكومته الائتلافية إلى إجراء انتخابات مبكرة بما معناه: أريد الخروج من هذا المكان. حتى الساعات الأخيرة المتبقية لموعد الانتخابات بذل شرودر كل جهد ليقنع الناخبين بتأييده ومنحه فرصة ثالثة كي يمضي في تنفيذ خطط الإصلاح التي كانت أبرز سبب لخسارة شعبية حكومته وصعود منافسته على المستشارية رئيسة الاتحاد المسيحي الديمقراطي انجيلا ميركل. انتخابات اليوم الأحد هي الفرصة لشرودر لكي يبقى في السلطة، ولكنها في الوقت نفسه فرصة تاريخية لميركل التي تنحدر من ألمانيا الشرقية السابقة كي تصبح أول امرأة تتقلد هذا المنصب. لاتزال القصص والحكايات الكثيرة، الحقيقة والمختلقة منها على حد سواء، عن السيرة الذاتية للمستشار الألماني السابع وعن وقائع صعوده وبلوغه قمة الهرم السياسي في ألمانيا، معرض نقاش في أوساط المهتمين بالسياسة. كذلك فإن الصعود السياسي لميركل لا يقل إثارة، لكن وسط ظروف مختلفة. وقالت ميركل عن نفسها: أوجدني والداي أولا ثم الوحدة الألمانية.

من هو شرودر؟

ولد غيرهارد شرودر في السابع من أبريل/ نسيان العام 1944 في موسينبيرج في ولاية سكسونيا السفلى وترعرع في أسرة فقيرة جدا على حد قوله. لم ير والده الجندي الذي قتل في الحرب العالمية الثانية وتوصل شرودر إلى مكان دفنه في رومانيا حيث زاره أكثر من مرة. تسبب الفقر في تمسكه بالعلم فرصة للتعويض. تأهل لمهنة بائع بالمفرق ثم تابع دراسته في المساء وأصبح محاميا ومارسها في مدينة هانوفر. انضم المحامي الشاب إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي في العام .1963 من خلال عمله السياسي في الفترة بين العامين 1978 و1980 في إطار شباب الحزب، بدأت توجهاته السياسية في التبلور، إذ تميزت بميولها إلى تبني مواقف يسارية. في العام 1980 انتخب عضوا في البرلمان للمرة الأولى ثم صعد إلى منصب عضو في المجلس التنفيذي للحزب الاشتراكي الديمقراطي. حصلت نقطة التحول إلى اليمين الاشتراكي حين تولى مهمات سياسية وبدأ يتعامل مع الواقع وذلك حين ترأس المجموعة البرلمانية للحزب في برلمان ولاية سكسونيا السفلى. في العام 1990 قاد حزبه للفوز وحصل على منصب رئيس الوزراء في الحكومة المحلية بعد أن ألحق هزيمة قوية بالاتحاد المسيحي الديمقراطي الذي كانت الولاية أهم معقل له. كان فوزه شرطا فرضه عليه حزبه لترشيحه لمنافسة المستشار هيلموت كول في الانتخابات العامة في سبتمبر/ أيلول .1998 دخل شرودر الحملة الانتخابية برؤية سياسية جديدة أطلق عليها شعار "الوسط الجديد" في إشارة واضحة إلى أن متغيرات عصر العولمة تتطلب تيارا سياسيا جديدا يوفق بين العدالة الاجتماعية وتحديات الحداثة المتعولمة. اضطر شرودر في مستهل ولايته الأولى كمستشار إلى مواجهة صراعات داخل حزبه وخصوصا المناوشات التي كان يثيرها التيار اليساري الرومانسي الذي كان يرفض الواقع. أدرك شرودر أنه لا يمكن أن يحكم ألمانيا التي تتسم بشعب محافظ بغالبيته، رجل يؤمن بالسياسة الرومانسية وإنما بالواقع وأن تكون له شخصية قوية. طور شرودر شخصيته مستلهما مثله الأعلى المستشار الاشتراكي السابق هيلموت شميت وكان ولايزال يأخذ برأيه في كثير من الأمور المهمة. كما استطاع شرودر أن يأسر وسائل الإعلام بسحر جاذبيته، ما دفع الكثيرين لوصفه بمستشار الإعلام. استطاع أن يفرض نفسه على حزب الخضر شريكه الصغير في الائتلاف ولم يترك دفة السياسة الخارجية لنائبه ووزير الخارجية يوشكا فيشر بل أثر كثيرا على قراراتها. سيرتبط اسم شرودر على الأكثر برفضه الحرب على العراق في العام 2003 وقد حذر الرئيس الأميركي جورج بوش من جديد من مجرد التفكير بشن حملة عسكرية ضد إيران. للمرة لأولى بعد استعادة ألمانيا وحدتها في العام 1990 ولدت سياسة خارجية ألمانية مستقلة عن وصاية الولايات المتحدة. بعد إعلانه عن إصلاحات اقتصادية واجتماعية بدأت شعبية حزبه تتراجع لأن غالبية الألمان شعروا بنقمة وخوف من نهاية دولة الرفاه، لكن شرودر مصمم حتى اليوم على أن قراره بالمضي في هذه الإصلاحات لا غنى عنه ولا بديل للإصلاحات من أجل مستقبل الأجيال المقبلة وضمان دولة الرفاه وليس العكس. لذلك قرر قبل عام على موعد الانتخابات أن يضع مستقبله السياسي بيد الناخبين.

من هي ميركل؟

إنها الفرصة التي وفرت للاتحاد المسيحي فرصة مبكرة لاستعادة السلطة التي فقدها في العام .1998 هذه المرة تم وقوع الاختيار على امرأة بشخص أنجيلا ميركل التي يعود ظهورها السياسي لوحدة ألمانيا وصعودها وبلوغها قمة الهرم في الاتحاد المسيحي إلى عطف وأخطاء المستشار السابق كول. بعد وقت قصير على نهاية عهد الحزب الشيوعي في ألمانيا الشرقية ألقت ابنة قس وحاملة شهادة الدكتوراه في علم الفيزياء نظرة سريعة على الأحزاب الموجودة على الساحة وشدها اسم الاتحاد المسيحي الديمقراطي المحافظ فانضمت إليه وسرعان ما عينت متحدثة باسم الحزب في الشطر الشرقي. بعد فوزه في أول انتخابات عامة لعموم ألمانيا في العام 1990 اختارها كول في تشكيلته الوزارية وعينها وزيرة للعائلة والشباب ثم شغلت منصب وزيرة البيئة. كان كول يناديها "فتاتي" وتعلمت منه كيف يمكن هزيمة المنافسين داخل الحزب والصعود نحو القمة. حين انكشف دور المستشار كول في قضية الحسابات السرية وتبرعات غير مشروعة ألحقت بحزبه خسائر معنوية ومادية كبيرة، كانت ميركل تشغل آنذاك منصب الأمين العام للاتحاد المسيحي، قامت بنشر مقال في صحيفة "فرانكفورتر ألجماينه" طلبت فيه علنا أن يتخلى كول عن رئاسة الحزب لحصر الخسائر. كانت هذه الخطوة التي انفردت بها ميركل من دون التشاور مع أحد في الحزب، مفاجأة للجميع في ألمانيا. بعد استقالة فولفجانج شويبلي الذي تولى رئاسة الحزب بعد كول اختيرت في منصب رئيس الحزب. يذكر أن فضيحة التبرعات من ضمن أسباب هزيمة كول أمام متحديه شرودر في العام .1998 في العام 2002 اضطرت ميركل إلى ترك منافسة شرودر على المستشارية لشريكها في الاتحاد المسيحي إدموند شتويبر "زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي البافاري"، وانتهت المنافسة بهزيمة مرة أمام شرودر.

امرأة في عالم الرجال

لكن ميركل تطورت كثيرا، الأمر الذي تدعمه الصور. فحين كانت الفيزيائية السابقة التي كانت تعمل في مختبر في برلين تثير سخرية الناس بسبب تسريحة شعرها التي تشبه تسريحة شعر قس في العصور الوسطى، أصبحت تهتم بصورة كبيرة بمظهرها بعد أن استجابت لنصيحة مستشاريها. لا يعرف العالم الكثير عن الحياة الخاصة لميركل، لكنها كانت شائكة بعض الشيء على ما يبدو. وهي اليوم متزوجة من بروفيسور في الكيمياء له صداقات قوية مع علماء إسرائيليين وكانت متزوجة من رجل لديه أولاد من زوجة أخرى. أما ميركل نفسها فإنها لم تنجب ولم تهتم يوما بسياسات المرأة. كل التوقعات تشير إلى احتمال فوزها، لكن بعد ظهورها التلفزيوني المكثف في الأيام الأخيرة تراجعت شعبية حزبها مقابل استرجاع حزب شرودر بعض شعبيته التي خسرها. كما أن غالبية الناخبين مازالوا يفضلون شرودر في منصب المستشار. لكن الناخبين في ألمانيا لا ينتخبون المستشار مباشرة وينوب عنهم بذلك البرلمان. لو كان مستقبل المستشار بيد الناخبين لشعر شرودر اليوم بطمأنينة أكبر من منافسته ميركل

العدد 1108 - السبت 17 سبتمبر 2005م الموافق 13 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً