«إن الدين عند الله الإسلام» (آل عمران: 19)، جاء هذا الدين السماوي الحنيف مكملاً للأديان السماوية والذي يصلح لكل زمان ومكان وليس فيه نقص أو عيب، وهو دين محبة ووئام ودين اخاء، ولو طبقنا هذه الشريعة الإسلامية بحذافيرها لكنا خير الأمم.
وأمرنا بأمور منها الواجب ومنها المحرم ومنها المستحب، ومن ضمن هذه الأمور المستحبة أن إذا أراد رب البيت ان يعطي أحد أبنائه فاكهة فيأمره بأن لا يخرج من المنزل، وذلك كي لا ينظر إليه أبناء الجيران وفي يده تلك الفاكهة فتأخذهم الحسرة، إذ ربما ليس لدى آبائهم المال ليشتروا تلك الفاكهة وغيرها.
وهذا النهي يستفاد منه بأن الإسلام يريد أن يأدبنا بتأديب سماوي، وليس ذلك فحسب، بل يريد منا أن نحس ونتأثر بإخواننا المحرومين والفقراء، بل هناك ما هو أضيق من هذه الأمور الآنفة الذكر، وهو إذا رجع الاب إلى البيت وبيده شيء يريد ان يعطيه ابناءه لا يفرق بين أحد من أولاده ويوزع ذلك الشيء بالتساوي فيعطي الصغير قبل الكبير والضعيف قبل القوي لكي لا يتحسس أحد من الآخر ولا يزرع الحقد في قلب أبنائه، وهذا أمر يقره العقل والمنطق والإنسانية. ذلك على صعيد الفرد في المجتمع الصغير ويعني العائلة المكونة من أم وأب وأولاد ليكون مجتمعاً صالحاً ليس فيه اعوجاج. وإذا بالشهر الذي مضى قد صُرفت إلى موظفي الدولة علاوة «بونس» وقدرها 200 دينار، وهذا أمر تشكر عليه الدولة لأنها تريد أن ترفع من المستوى المعيشي للفرد، وهو شيء حسن بأن تفكر الحكومة في مثل هذا الأمر، ولكن الذي حز في النفس وبغبنها أن الموظفين الذين كانت لهم اليد البيضاء في مؤسسات الدولة والوزارات والذين احيلوا على التقاعد لم تشملهم العلاوة «البونس» فهل هذا جزاء عطائهم المتواصل في الماضي أم لم يبنوا هذا الوطن العزيز ولم يرقوا به إلى الأحسن؟ ألم يشاركوا في بناء مستقبل هذا البلد؟ لقد شاركوا وتعبوا وترقوا بسواعدهم في بنائه وسلموه إلينا على هذا الوجه الجميل ونحن نبني لغيرنا وهكذا دورة الحياة. ولكن نهملهم ونرمي بهم في سلة النسيان بمجرد خروجهم من الوظيفة إلى التقاعد، فقد يكونون في عوز أكثر من غيرهم ولأن الراتب التقاعدي لا يسد حاجتهم المعيشية، وليس هذا فحسب، بل هناك ارتفاع في مستوى المعيشة وزيادة المصروفات، ولكن لا يسعني إلا أن أذكر قصة حدثت لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) «أنه خرج في يوم من الأيام إلى السوق وإذا برجل شيخ كبير السن يستجدي الناس وقد أخذ الزمان منه مأخذه وإذا أمير المؤمنين قد أوقفه ذلك المنظر الذي تهتز له المشاعر وإذا به يسأله عن سبب استجدائه إلى الناس فقال الشيخ: قد استخدمني الناس أيام شبابي ولما ضعفت قواي تركوني وأنا لست بمسلم ولكني يهودي. فتأثر أمير المؤمنين وقال إن الناس قد استخدموه أيام قوته وعندما ضعف تركوه يستجدي الناس في أسواق المسلمين ولم يتركه فأمر خادمه قمبر بأن يصرف له راتباً شهرياً من بيت مال المسلمين».
وهو حق من حقوق الإنسانية التي تربط بين المسلم وغيره من باقي الأديان، وبلدنا الحبيب والمشهور بسابقيته إلى الإسلام وإلى فعل الخير والتسامح والصفات الحميدة التي عرفت عنه، و(الأقربون أولى بالمعروف) وعلى هذا جزاء المعروف لهم ولذكر اياديهم البيضاء على البلد وأهله فالواجب الوطني يحتم علينا أن نعمل من أجل صيانة وحفظ حقوق هذه الفئة التي هي جزء مهم من أفراد هذا الشعب البناء والمكافح وهي اللبنة الأولى في بناء النمو الاقتصادي والعمراني الذي ينعم به بلدنا اليوم.
وبعد تحمل المعيشة القاسية والأجور البسيطة إلى أن وصلوا مركب هذا البلد إلى ساحل الأمان والاستقرار الاقتصادي والعمراني والذي أصبحنا نحسد عليه.
ولكي يهنأ الموظفون الحاليون بهذه العلاوة «البونس» ويفرح الجميع وهذا جزء من رد الإحسان كما قال الله في القرآن الكريم و«هل جزاء الإحسان الا الإحسان» (الرحمن: 60).
سالم أحمد سالم الحلواجي
العدد 1107 - الجمعة 16 سبتمبر 2005م الموافق 12 شعبان 1426هـ