كثيرة هي الندوات والمؤتمرات التي تعقد دوريا لمناقشة معضلة "مكافحة الفقر"، وليس آخر تلك الفعاليات، برنامج الأمم المتحدة للقضاء على الفقر في دول العالم، عبر توجيه نداء عالمي من الفقراء إلى الأنظمة، وقد ارتدى فقراء الوطن الأساور البيضاء الأسبوع الماضي للتعبير عن سخطهم من الفقر وتدني الأجور والبطالة وعدم حصول قدر لا بأس به من المواطنين على حق السكن. تنشر وستنشر، ونشرت "الوسط" الكثير من مآسي المواطنين، الذين يعانون من تدني الأجور والبطالة، وسلطت الأضواء على البيوت الآيلة للسقوط، والظروف المعيشية الصعبة وعدم توافر الضمان الاجتماعي، إلا أن وزارة الشئون الاجتماعية ووزارة العمل ووزارة الإسكان لم تستجب للحالات المعروضة في الصحافة على الأقل، وما أكثر الحالات المختبئة التي لم تعرض قضاياها بعد. المواطن "ع.ح" يسكن بيتا ضيقا جدا، يتألف من حجرتين فقط، وممر يشبه الصالة، تتسرب داخله مياه الأمطار كلما حل فصل الشتاء، يعود بناؤه الى 35 سنة! رب أسرة هذا البيت لديه 6 أبناء، يتكدسون في ذلك البيت، وظروفه المعيشية صعبة للغاية، ويعمل براتب متدن بالكاد يكفيه لسد رمق جوع عياله! مواطن آخر، كان يود أن يتزوج قبل أن يصل عمره الى الثلاثين عاما، ولكن راتبه الذي يبلغ 120 دينارا، قد حال دون ذلك، تحمل ذلك كثيرا، إلى أن بنى شبه غرفة فوق بيت والده، لتكون بيتا لعش الزوجية! شاب متزوج حديثا، يعمل في وظيفة حكومية، راتبه متدن جدا، لذلك اضطر لأخذ قرض لشراء "طراد" ومزاولة مهنة الصيد التي ربما تدر عليه أكثر مما تدر الوظيفة الحكومية! يعمل طوال النهار في تلك الوزارة ويقضي مساءه في الطراد، عله يسدد ديونه المتراكمة قبل أن ينجب الابناء! إحدى الأمهات التي التقتها "الوسط" قالت: "حالنا حال أيام المدارس"... "اذ يجب علينا توفير مستلزمات المدرسة من ثياب، وادوات مدرسية وغيرها... وذلك يكلف الكثير... والحال لا يعلم بها الا الله". تحدثنا مع أحد الكبار في السن من المتقاعدين، بدا حزينا جدا، وقال: راتبي لا يكفي مصاريف البيت، لذلك ابنتي الكبرى اضطرت للعمل، وعدم دخول الجامعة، لتساعدني على "شقا الدنيا". بيت آخر، لايزال قاطنوه ينتظرون سقوطه عليهم، بيت متهالك جدا، تسكنه ثلاث أخوات مع والدتهن الأرملة، اختان منهن مطلقتان مع ابنائهما، ولا يوجد من يصرف عليهم سوى الأخت الوحيدة العاملة، وراتبها بالكاد يكفي كل العائلة حتى ربع الشهر... يتلقون مساعدات متواضعة من الصندوق الخيري في قريتهم. شاب آخر، ابوه مصاب بمرض السكري، لذلك أحيل على التقاعد المبكر نتيجة مرضه، يعمل منظفا في إحدى الشركات، وينفق على 13 فردا من الأسرة المنكوبة بالفقر! الدستور كفل الحق في الحماية من التعطل، والضمان الاجتماعي، وتوفير السكن الملائم، إذ ينص دستور مملكة البحرين في المادة "9" في الفقرة "و" على: أنه "تعمل الدولة على توفير السكن لذوي الدخل المحدود من المواطنين". وينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة "25" على: "1- لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته. ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة". كما أن العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية قد نص في المادة "11" على أنه "تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجاتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية". وعن حق العمل الملائم للمواطنين تنص المادة "5" من دستور مملكة البحرين على أنه: "ج- تكفل الدولة تحقيق الضمان الاجتماعي اللازم للمواطنين في حالة الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو اليتم أو الترمل أو البطالة، كما تؤمن لهم خدمات التأمين الاجتماعي والرعاية الصحية، وتعمل على وقايتهم من براثن الجهل والخوف والفاقة" وتنص المادة "13" من الدستور على: أ- العمل واجب على كل مواطن، تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام، ولكل مواطن الحق في العمل وفي اختيار نوعه، وفقا للنظام العام والآداب. ب- تكفل الدولة توفير فرص العمل للمواطنين وعدالة شروطه. ج- لا يجوز فرض عمل إجباري على أحد إلا في الأحوال التي يعينها القانون لضرورة قومية وبمقابل عادل، أو تنفيذا لحكم قضائي. د- ينظم القانون، على أسس اقتصادية مع مراعاة قواعد العدالة الاجتماعية، العلاقة بين العمال وأصحاب الأعمال. وتنص المادة "7" من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية على أنه: تعترف الدول الأطراف في هذا العهد بما لكل شخص من حق في التمتع بشروط عمل عادلة ومرضية تكفل على الخصوص: "أ" مكافأة توفر لجميع العمال، كحد أدنى: 1- أجرا منصفا، ومكافأة متساوية لدى تساوي قيمة العمل دون أي تمييز، على أن يضمن للمرأة خصوصا تمتعها بشروط عمل لا تكون أدنى من تلك التي يتمتع بها الرجل، وتقاضيها أجرا يساوي أجر الرجل لدى تساوي العمل. 2- عيشا كريما لهم ولأسرهم طبقا لأحكام هذا العهد. "ب" ظروف عمل تكفل السلامة والصحة. "ج" تساوي الجميع في فرص الترقية، داخل عملهم، إلى مرتبة أعلى ملائمة، دون إخضاع ذلك إلا لاعتباري الأقدمية والكفاءة. عجزت البنود عن التعبير عن حقوق المواطنين... فمتى ينال المواطنون حقوقهم؟
العدد 1107 - الجمعة 16 سبتمبر 2005م الموافق 12 شعبان 1426هـ