يعتقد بعض المراقبين للساحة الفنية بأن الدراما الخليجية قفزت قفزات نوعية في الآونة الأخيرة، ما جعلها تتبوأ مكانة مرموقة على الساحة الفنية العربية ولاسيما الدراما الكويتية التي اكتسحت شاشات التلفاز من دون منازع قبل أن تدخل الأعمال الفنية القطرية على الخط. وبمناسبة الحديث عن الدراما الكويتية، فلا يختلف اثنان على كونها الرائد في العمل الفني الخليجي سواء على شاشة التلفزيون أو على مستوى الأعمال المسرحية الكوميدية التي تجسد الواقع المعاش بصورة فكاهية ساخرة. ولكن هناك من يرى أن الدراما الخليجية لم تتطور إلى الأمام مطلقا، ويطرح هذا الفريق حجة أن منتجي الدراما لم يطوروها بتاتا، ولكنهم عرفوا كيفية استغلال الرغبات لدى المشاهد الخليجي واقتحموا عالمه النفسي لينجحوا بعد ذلك في كسب اهتمامه متفوقين في ذلك على الدراما المصرية التي احتكرت الشاشة الخليجية ردحا طويلا من الزمن، وعلى الدراما السورية في كثير من الأحيان، ويطرح هؤلاء حجة أن الدراما الخليجية غير ناجحة على المستوى العربي على عكس حالها في الخليج. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو؛ كيف استطاعت الدراما الخليجية أن تستحوذ على انتباه المشاهدين الخليجيين بهذه الطريقة وبهذه القوة؟ وما الإكسير الذي اكتشفه المنتجون لدوام استعلائهم على عرش الدراما الخليجية؟ الأمر بسيط جدا، فالمواطن الخليجي عاطفي أكثر من اللازم عند حدوث المصائب والحوادث المؤثرة، فما المانع من إنتاج مسلسل يشتمل على حوادث مفجعة بشكل مفرط لكي يظل المشاهد على اتصال ومتابعة للمسلسل الفلاني ويضمن المنتج استمرار نجاح الحلقات تباعا من خلال تطعيمها بالحوادث المفجة شيئا فشيئا حتى نهاية المسلسل التي غالبا ما تنتهي بصورة مفجعة أقل إيلاما من بداية المسلسل ومن الحلقات التي تقع في وسط المسلسل. هذا من جانب، ويرى المنتجون أن الخليجي يستأنس بالدراما الكوميدية التي تعتمد على عنصر المرأة أحيانا كثيرة وعلى "المغازل" وعلى الهرج والمرج المفرط. ولعل هذا الجانب يتجلى بصورة واضحة في الأعمال المسرحية لدينا، ولنحصي عدد المسرحيات التي تتضمن هذا الجانب بل تعتمده عنصرا أساسيا في المسرحية ليتجلى كأحد الشخوص الرئيسية. ولنعد مرة أخرى إلى المسلسلات، وإلى عنصر الحزن تحديدا. فكم من المسلسلات التي تعتمد اعتمادا كليا على هذا العنصر؟ فهذا المنتج يركز على إقحام أحد المرضى في نصه ويلبسه ثوب البطل أو ببعض الشخوص الرئيسية ليكون عنصر المرض "الحزن" مترابطا مع جميع حوادث المسلسل فلا يكاد موقف درامي أو مشهد عابر إلا واحتوى على عنصر الحزن، لأن هذه الشخصية الرئيسية تبقى مرتبطة بالمسلسل وحوادثه من البداية حتى النهاية. وعلى جانب آخر، يتجلى عنصر الموت "الحزن" في غالبية المسلسلات الخليجية والكويتية تحديدا - وتبعتها القطرية - ويظل هذا العنصر يلازم جميع أجزاء المسلسل مرة أخرى، حتى يخيل إلى المشاهد أن الموت هو الشخصية الرئيسية، إلا أن المشاهد البسيط الذي يهوى الذوبان في مثل هذه الحوادث ولاسيما النساء لا يدرك هذا الجانب، فيظل يرتبط بالمسلسل وتمتزج عاطفته بالحوادث فتارة نرى المشاهد ينفعل انفعالا مفرطا يتناسب مع حادث المسلسل وتارة أخرى نراه يبرز عاطفته إلى حد البكاء أو التباكي أحيانا. وما يعيب الدراما في بعض الأحيان التصاق شخوص معينة بشخصيات ثابتة في أكثر من عمل درامي، فتلك الشخصية التي مثلت دور المجرم أو الجانب السيئ في المسلسل نراها شخصية سيئة ومستبدة في أكثر من عمل، وتلك الشخصية التي تبرز الجانب الطيب نراها في مثل الموقف والطبيعة في أكثر من عمل ولاسيما نجوم الشاشة أو محتكري العمل الدرامي في الشاشات. فهل انعدمت الشخصيات التي تحمل في ملامحها جوانب شريرة؟ أو هل انعدمت وجوه الصالحين؟ نحن لا نقصد أن هذا الممثل أو ذاك لا يصلح لهذا العمل، ولكن يقال إن إجادة الممثل لأكثر من دور دليل على كونه ممثلا مقتدرا، كما أن هذا لا ينفي وجود ممثلين خليجيين مقتدرين وقادرين على أداء أكثر من دور، وشاهدنا فعلا بعض الأعمال التي ترتقي إلى هذا الطموح. إن ما نعنيه أننا لا نريد للدراما لدينا أن تنتهج أسلوب السينما الهندية القديمة التي نرى المجرم نفسه في أكثر من فيلم فيها، ونرى جماعة الإصلاح أنفسهم في كل فيلم وجماعة الرقص والبطل دائما ما يكون قادرا على فعل كل شيء صالح، ولا يمكن إلحاق الأذى به فدائما ما يخفق المجرمون في إصابته بالرصاص أو غالبا ما يعود إلى الحياة بعد تهشيم جسده، أو غالبا ما تصل الشرطة إلى موقع الحادث بعد أن أفنى البطل المجرمين عن بكرة أبيهم! وبالتالي باتت الصورة والموقف والحادث والمقدمة والخاتمة معروفة لدى المشاهد قبل أن يبدأ الفيلم! ولا نريد أن نصل إلى حد تأليف بعض النكات على أعمالنا، فبعد أن مل المشاهدون من القصة الهندية نفسها ألفوا بأنفسهم قصة غرامية هندية مضمونها أن رجلا شجاعا مغوارا رأى فتاة صغيرة لم تتجاوز العام، مرت الأيام والأعوام وعندما كبرت اكتشف أنها أمه! ولكن يبدو أن الأفلام الهندية أقلعت عن الإفراط في إنتاج الكمية لتلتهي بالنوعية والإنتاج وهي على مشارف من اقتحام الدراما من أوسع أبوابها. إننا وباختصار، نطمح في رؤية أعمال ترتقي إلى الدراما الواقعية التي تعالج القضايا اليومية، بعيدا عن العباءات السوداء التي لطالما تعودنا عليها، وبعيدا عن مآتم الحزن ورؤية المستشفيات والنهايات الحزينة، لا نريد رؤية البكاء الذي لا ينتهي، وضرب المرأة واستغلال أحاسيسها وأنوثتها لتهييج العواطف، لا نريد رؤية الشرير يموت في النهاية أو يصيبه مرض لأنه سرق إرث عائلة عمه، ولا نريد رؤية الابن الأكبر يسلب حق إخوته ويفر إلى الخارج ويصرف كل النقود ويعود آسفا إلى عائلته وتأخذه أمه في الأحضان، لا نريد رؤية الكوميديا الساخرة التي تعودنا عليها في مسارحنا حتى باتت كراسي بعض المسرحيات خالية من المشاهدين، وأمامنا شهر تكثر فيه الأعمال الفنية وهو شهر رمضان ونأمل أن نرى التغيير... حتى ذلك الحين ننتظر وتنتظرون
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"العدد 1106 - الخميس 15 سبتمبر 2005م الموافق 11 شعبان 1426هـ