بعض البشر ينبحون كما تنبح الكلاب، ولن يجدي نفعا تدليك الحناجر، إذ يظل القبيح قبيحا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. مثل ذلك النباح يمكن تلمسه في كتابات تتعامى عن القتل اليومي والعبثي والمجاني في العراق، ويخرس نباحها أمام صور ومشاهد وفتاوى وتصريحات الإبادة وبدم بارد. والنباح نفسه في تلك الكتابات، لم يفتأ يحذر ويتباكى على حال التقسيمات والتجزيئات المقبلة عليها المنطقة، فيما لا يرى في الفائض من القتل، والدم، والخراب والرعب اليومي، أي دليل أو شاهد على التقسيم والتجزيء. على رغم كل الضحايا الذين "ارتفعوا" بأرواحهم إلى بارئهم، وعلى رغم الدماء التي تنهمر، وعلى رغم ما أنتجته آلة التكفير والتجزيء من طوابير طويلة من الثكالى واليتامى، فإنهم يظلون صابرين، محتسبين، واعين لمنعطفات الاستدراج التي يحاول الزرقاوي وفئته جرهم إليها، كي ينهي العراقيون بطائفتيهم الكريمتين - وبأيديهم - فصول القتل اليومي بمزيد من القتل، ولتعلم الكتابات تلك من هو الساعي إلى التجزيء والتقسيم من بوابة الحرب الأهلية التي يراد لها أن تقوم على يد فئة تعيش ظلام الفكر والزمن والمكان، في معادلة عراقية يراد لها أن تكون بالغة التعقيد. الزرقاوي صرح يوم أمس الأول "الأربعاء"، بعيد العملية التي حصدت أكثر من 150 قتيلا، بأنها جاءت ردا على الهجوم على تلعفر! لم يكن القتلى أميركيين أو من قوات التحالف ، بل هم من فئة بعينها؟ فكأن الذين حصدتهم مطحنة الغلو شدوا وأسرجوا وألجموا في الهجوم الغادر الذي شنته قوات الاحتلال الأميركي على الأشقاء في المدينة المنكوبة. مثل تلك الأصوات الكريهة - عندنا - والمخمورة بطائفيتها وعصبيتها، هي في الصميم من فتاوى القتل اليومي وما سيتمخض عنه من فائض موت العراقيين
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 1106 - الخميس 15 سبتمبر 2005م الموافق 11 شعبان 1426هـ