العدد 1105 - الأربعاء 14 سبتمبر 2005م الموافق 10 شعبان 1426هـ

المواقف لا تبنى على المخاوف والأوهام

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لنا عتاب لا ينقضي على إخواننا ممثلي تيار "الإخوان المسلمين" في البحرين، بصفتنا إخوانا في الدين، ونظراء في الخلق، وشركاء في الوطن. أسبوعان مرا في صمت تام عن الشريط الذي تم نشره في إحدى الصحف المحلية، لما يحمله الخطاب من تناقض صارخ مع تاريخ وأدبيات الإخوان. نقول ذلك ونحن لسنا بعيدين بفكرنا وروحنا وعواطفنا من تراث الإمام الشهيد حسن البنا، كما ان الكثيرين منا قراء مداومون لما تنتجه هذه المدرسة الفكرية. فلا غرابة أن تحتل كتب البنا والأخوين قطب والغزالي مكانة مهمة في مكتباتنا الخاصة والعامة. من هنا فإن صدمتنا كانت كبيرة لسيادة مثل هذه اللغة المتطرفة في الأشرطة الأخيرة، بما يناقض روح الخطاب الإخواني المعروف. لو كانت هذه السقطة من نائب سلفي درجت الصحافة المحلية على وصفه بالمستقل، لقلنا انه شخص لا يمثل إلا نفسه، ولو جاءت من محام يستميت للوصول إلى البرلمان أو الشورى لقلنا إنه ممثل للروح المناطقية الضيقة، لكن أن تلقى هذه التهم الثقيلة بالجملة على لسان أحد نواب التيار الذي يتفاخر أعضاؤه بالانتماء إلى مدرسة الإمام الشهيد البنا فهذا ما يستوجب العتاب والعتاب الشديد. وطنيا، نجد من المتناقضات أن تدعو إلى الوحدة في شريطك ثم تتهم الآخرين في وطنيتهم وترسلها إرسال المسلمات. هناك ممارسات خاطئة في الساحة لا أحد يقبلها، لكن من غير المقبول أيضا أن تتهم من تختلف معهم في الاتجاه السياسي أو المذهبي بـ "الطابور الخامس"، فهل تعرف مؤدى هذه التهمة؟ إنها الخيانة العظمى، التي تنتهي بالمطالبة بالإعدام، وهي الوجه الآخر من الإرهاب الذي يجتاح المنطقة فيحصد في طريقه العراقيين بالجملة كل يوم، باسم الجهاد ومقاومة الأميركان. إسلاميا، ما كان ينبغي من الأساس أن تسود في الساحة لغة التخوين، فكلنا شركاء في هذا الوطن. وليس جميلا أن ينصب أحد نفسه وصيا على كل الناس، ويأخذ بتوزيع أنواط الشرف والوطنية على من يحب، ويسحبها عمن يكره، حتى وصل الاستبداد والتطرف في الخطاب إلى التطاول على الشخصيات والتيارات ذات التاريخ الوطني الطويل، فلم يخجل أحدهم من القول: "هناك انعدام وعي وإدراك لدى الوطنيين العلمانيين الشرفاء"! فإذا بدأ الاستخفاف بالآخرين فإنه ينتهي حتما إلى سياسة الأخذ بالظنة والقتل بالتهمة كما كان يفعل الحجاج بن يوسف الثقفي. إن بداية الفتن الطائفية إلغاء وجود الآخر من الاعتبار. فيصبح المتحدث هو محور الكون، وهو الوصي على حكام العرب، وهو الناطق الرسمي باسم الإسلام، وهو موزع الرتب والنياشين الوطنية. وهكذا تتصاعد الدراما العبثية حتى تصل إلى العمليات الانتحارية وتفجير الأسواق والمستشفيات ودور العجزة، قربة إلى الله تعالى. فهل يقبل وطني أو إسلامي أو إخواني أو يساري شريف أن يلعب هذا الدور في هذا البلد؟ الخطاب المنفعل، المنفلت، المتشنج، هو الذي يؤسس ثقافة القتل والتدمير. مثل هذا الخطاب التحريضي هو آخر ما تحتاجه البحرين في هذه المرحلة القلقة. فإذا عجز "الإخوان" عن مد الجسور وإقامة علاقات حسن الجوار بين شركاء الوطن، فلا يكونوا دمى تنفذ السياسات الطائفية المدمرة. وفي ظل أوضاع إقليمية تثير التوتر، من المفترض أن يضبط كل الشركاء أعصابهم، لئلا تتسرب شظايا الحدث العراقي إليهم فتصيبهم جميعا بالأذى. فإن أخوف ما نخافه على مستقبل هذا البلد، أن تتخذ المواقف وتنطلق الآراء بناء على المخاوف والأوهام. فالأوهام لا تضلل إلا صاحبها، والمخاوف تمنع عن رؤية الأوضاع السياسية على حقيقتها. الكتابات والتحليلات والأشرطة القائمة على إشاعة المخاوف وبث الرعب من بعضنا بعضا إنما يخدم أصحابها أعداء الأمة، الذين حطموا أفغانستان ودمروا العراق، وعيونهم على سورية وإيران. هذا هو الخطر الواقعي المسلط فوق رقابنا جميعا، ومن الحماقة أن ينادي البعض بالويل والثبور، ويقيم مناحات على "انهيار القلاع". أوهام لا ينبغي أن تنطلي على ممثلي تيار "الإخوان المسلمين"، ومريدي الإمام البنا الشهيد، فضلا عن أن يتورط بعض ممثليهم في مثل هذا المستنقع الطائفي الآسن، وبخطاب استفزازي متوتر . عتابنا لا ينقضي على "الإخوان"، لسكوتهم أسبوعين، خصوصا أن الخطاب في لغته كان متشنجا، مسيئا، مليئا بالمخاوف والأوهام، بما لا يصب في المصلحة الوطنية العليا، ويتعارض تماما مع كل دعوات الوحدة والتقارب التي كان رائدها الإمام الشهيد رحمه الله. والمحزن أنه مر من دون أن يعقب عليه أحد. مر أسبوعان ونحن بانتظار كاتب واحد، واحد فقط، ينتقد أو يعاتب أو حتى يبرر هذا الخطاب، لكن الصمت كان سيد الموقف، فالوحدة الوطنية قميص لا يرفع إلا عندما يتم الاقتراب من أصحاب النفوذ والثروات

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1105 - الأربعاء 14 سبتمبر 2005م الموافق 10 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً