التهديدات التي صدرت عن وزير الدفاع العراقي والسفير الأميركي في بغداد ضد سورية تفتح الباب أمام احتمالات سلبية يمكن أن تشهدها المنطقة في حال أصرت واشنطن على إعادة تصدير أزمة الاحتلال إلى الخارج واتهام "دول الجوار" بأنها تقف وراء الفوضى التي انتشرت في بلاد الرافدين. إصرار "البيت الأبيض" على توزيع الاتهامات وتحميل دمشق، وأحيانا طهران، نتائج أزمة الاحتلال يكشف عن وجود اتجاه بنقل المأزق إلى خارج حدود العراق بذريعة ملاحقة خلايا "الإرهاب" وشبكات المقاومة. وهذا الاحتمال ليس مستبعدا وخصوصا بعد إطلاق الرئيس جورج بوش تحذيراته لسورية في مناسبة استقباله للرئيس العراقي جلال طالباني في "البيت الأبيض". الرئيس الأميركي الذي عاد من زيارة ثالثة قام بها إلى ولاية لوزيانا التي نكبت بإعصار "كاترينا" لم يجد أمامه من أعذار سوى تكرار ما قاله وزير الدفاع والسفير مؤكدا تلك الاتهامات مضيفا إليها بعض النصائح المتصلة بالعواقب واحتمال العزلة وربما أكثر من ذلك. هذا الكلام الأميركي الذي ترافق مع تصريحات صدرت عن وكلاء الاحتلال يشير مجددا إلى تمسك واشنطن بسياستها السابقة وعدم استعدادها لإعادة النظر بها أو محاولة البحث عن تفسير موضوعي لأسباب المقاومة والدوافع الحقيقية التي أسهمت في إنتاجها. فالكلام ليس جديدا وإنما عملية تكرار بليدة لمجموعة اتهامات ساقها الاحتلال منذ الأيام الأولى للغزو معيدا إنتاجها من دون ملل. تكرار الاتهامات من دون أدلة دامغة والإصرار على أن المقاومة العراقية "مستوردة" وليست عراقية، وتوزيع المسئولية على "دول الجوار" وتبرئة ذمة واشنطن من كل ما يحصل... كلها دلالات على سياسة لا تعترف أميركا بفشلها وهي غير مستعدة لإعادة قراءة عناصرها بروح نقدية تراجع الأخطاء وتصحح تلك المسارات التي دخلت فيها. هذا النوع من الإصرار على الدفاع عن آليات قادت الولايات المتحدة إلى سياسة متهورة يشير إلى أزمة مركبة من عنصرين: الأول يتعلق بالذهنية البليدة وضعف في المخيلة وعجز عن ابتكار أدوات تتعامل بذكاء مع قضايا المنطقة العربية - الإسلامية. والثاني يتعلق بالاستراتيجية الأميركية وعدم قدرة قادة "البيت الأبيض" على مراجعة حساباتهم وإعادة قراءة برنامج الإدارة في ضوء المستجدات التي طرأت على الوضع الدولي والتداعيات التي أفرزها قرار الحرب على العراق. وحين يتراكم المأزق ويعطل إمكانات التفكير والابتكار تزداد الصعوبة في اكتشاف منافذ تنقذ السياسة الأميركية من مشكلة لعبت إدارتها الدور الرئيسي في اختراعها. فالولايات المتحدة هي التي اخترعت الحرب وأسهمت في تأليف القصص والحكايات تبريرا لها... ويبدو أنها لاتزال مستمرة في لعبتها من دون اكتراث للنتائج الكارثية التي وصلت إليها بلاد الرافدين. وخطورة اللعبة الجديدة التي أخذت صورتها تتسرب من تصريحات وتعليقات وتهديدات معلنة ومبطنة صدرت أخيرا عن بغداد وواشنطن، تكمن في عدم جاهزية "البيت الأبيض" لتقبل المراجعة والمكاشفة والشفافية في موضوع العراق في وقت أظهرت الاستطلاعات عن بدء اشمئزاز الرأي العام الأميركي من تكرار الأكاذيب وأساليب الخداع. فاللعبة الجديدة تريد إعادة إنتاج تلك المسرحية التي اخترعت الإدارة فصولها في بلاد الرافدين تمهيدا لتصديرها إلى "دول الجوار" وتحديدا سورية وإيران. التصريحات والتهديدات تكشف عن مأزق حقيقي ولكنها أيضا تظهر واشنطن في وضع عاجز عن ابتكار الحلول وبالتالي الإصرار على تكرار السيناريو العراقي في أساليب ووسائل قد تكون متشابهة أو مختلفة... ولكنها في النهاية ستسفر عن نتيجة متقاربة وهي: الهروب إلى "الجوار" بدلا من الخروج من العراق
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1105 - الأربعاء 14 سبتمبر 2005م الموافق 10 شعبان 1426هـ