العدد 1105 - الأربعاء 14 سبتمبر 2005م الموافق 10 شعبان 1426هـ

تكريم لـ "فيكتور شولشر"... فلتسقط العبودية

بدءا من "وصمة عار طالت الجنس البشري"...

كان مستقبله معدا سلفا: فتوليه زمام الأمور في مصنع والده في باريس، كان فعلا أول ما قام به، بعد دراسات ثانوية قصيرة. وأقل ما يقال في هذا الخصوص انه لم يكن يملك حسا صناعيا ولا تجاريا. بل إن ما يفضله هو التردد على الأوساط الأدبية والفنية والذهاب إلى صالونات العاصمة للالتقاء بجورج صاند وأوجين سو وديلاكروا وليتز وبرليوز والمشاركة في الآراء التنويرية لأوغيست بلانكي وبيير لورو وهما من أشد المدافعين عن فكرة تأسيس جمهورية اشتراكية. وكانت الموسيقى والقراءة والكتابة والسياسة محط اهتمامه. ولكن الإعراب عن مشاعر تعاطف تبلغ هذا الحد مع مبدأ الجمهورية في وسط نظام ملكي في عهد شارل العاشر، أثار قلق والده. ويعشق فيكتور الترحال، ولم لا؟ فسيشد الرحال بحثا عن عملاء جدد لمصنع الخزف العائلي، وذلك في المكسيك وفي الولايات المتحدة وفي جزر الأنتيل وفي كوبا، وطبعا يرجع بخفي حنين، من دون تأدية الغرض من رحلته، ولكن يكتشف شولشر الحقيقة المرة التي كان يعيشها العبيد والتي يفضح فظاعتها لدى عودته إلى فرنسا، من خلال نشر كتب وكراسات صغيرة ومقالات يفصح فيها عما شاهده. وعند وفاة والده خصصت له عائلته، التي أدركت أنه فعلا لا يرغب في إدارة التجارة، وليست لديه الكفاءة لذلك، دخلا محترما، قام هو بدوره في تكريسه للسياسة. "لنقل لأنفسنا ولنقل لأولادنا إنه مادامت العبودية قائمة على وجه الأرض، فإن عبودية الإنسان هي وصمة عار دائمة تطول البشرية جمعاء". وبحلول العام ،1840 وفي حين لم يكن الإلغاء الفوري للعبودية على جدول الأعمال، اقترح شولشر نصا على البرلمان الفرنسي كان الغرض منه الحد، على الأقل، من العقوبات الجسدية التي كانت تنزل بالعبيد ومنحهم صفة "أشخاص مدنيين" - فبحسب نصوص قانون يرجع إلى القرن الثامن عشر والذي سنه الوزير كولبير، لم يكن هؤلاء العبيد أكثر من "أثاث منقول!" - وجعل تعليمهم في المرحلة الابتدائية إجباريا... إن نص المشروع هذا ظل حبرا على ورق، إذ إن التعصب كان شديدا ضد البشرة السوداء وكان يسود اقتناع بأن الشخص الأسود هو - من حيث المستوى - أقل اعتبارا من الشخص الأبيض! وتتوالى الحوادث بعد سقوط النظام الملكي في عهد لويس فيليب في فبراير/ شباط ،1848 فيعود فيكتور شولشر من غامبيا، في بداية عهد الجمهورية الثانية، ليحتل منصب نائب وزير الدولة للمستعمرات. ويتسنى له إنشاء لجنة مكلفة بتحرير العبيد، يقوم هو نفسه بترؤسها، ويتقدم في يوم 27 ابريل/ نيسان من العام 1848 بقراره بإلغاء العبودية الذي وقعته الحكومة في 1 مايو/ أيار. وهكذا استرد أكثر من 260000 شخص حريتهم في الغوادلوب وفي جزر المارتينيك وفي جزيرة الريونيون وفي جزر غويانا وفي جزيرة مايوت وفي الجزائر وفي السنغال، على الساحل الغربي لإفريقيا.

وصولا إلى "جريمة ضد البشرية"

وفي إطار احتفالات العام 2004 الذي أعلنته الأمم المتحدة "عاما دوليا لإحياء ذكرى مكافحة العبودية" يظهر شولشر بمثابة المرجع الفرنسي الذي ترك أكبر أثر. ولكن إذا "كان العالم عرف من خلال تجارة العبيد والعبودية إحدى صفحات تاريخه الأكثر مأسوية"، بحسب ما أعلنه في ديسمبر/ كانون الأول 2003 مدير عام اليونسكو كوشيرو ماتسورا، ففرنسا هي حاليا البلد الوحيد الذي اعتمد في 21 مايو ،2001 قانونا يعترف به بأن العبودية هي بمثابة جريمة ضد البشرية. وكان لهذه الخطوة وقع قوي، فحظيت بالإجماع بثناء المجتمع الدولي بأسره في سبتمبر/ أيلول 2001 في مدينة ديربن بجنوب إفريقيا، أثناء انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة ضد العنصرية وكره الأجانب. "لم يكن من الصدفة، قبول مدينة نانت، بناء على دعوة من اليونسكو، بتولي تنظيم أول منتدى عالمي لحقوق الإنسان" في مايو ،2004 يصرح بذلك نائب رئيس بلدية المدينة الواقعة في إقليم اللروار أطلنتيك جان مارك إيروت، التي كانت كمثيلاتها من الموانئ الكبرى الأوروبية، تميزت بالتجارة المثلثية والمعروفة جزافا باسم "تجارة العبيد". إن هذا المنتدى المنظم تحت الرعاية العليا للجمهورية الفرنسية والذي يعقد في وسط هذا العام المخصص لذكرى العبودية يجب أن يمسي لقاء دائما ومستمرا.

عبودية "حديثة"

ولكن الأمر الذي يتبع الفرض الواجب بإحياء الذكرى وإجراء البحث التاريخي، يكمن في مقولة "ازرع فكرا تحصد عملا" وهذا الإيضاح يعطيه نائب المدير العام في منطقة اليونسكو للعلوم الاجتماعية والإنسانية وصاحب الاقتراح بعقد هذا المنتدى بيير سانيه، فيجب أن نلقي نظرة واعية وثاقبة على الوضع بحاله الحاضرة. وفعلا، إن هذا النظام القمعي مازال قائما في بعض مناطق إفريقيا، ويتخذ أشكالا "أكثر حداثة" في أرجاء المعمورة. وبحسب تقدير المنظمة الدولية لمناهضة العبودية، وهي من أقدم المنظمات للدفاع عن حقوق الإنسان، يصل عدد الأفراد البالغين الخاضعين للعبودية التقليدية إلى 20 مليون فرد. ولكن ماذا عن أشكال الرق والتبعية، والبيع أو التنازل، وتجارة الرقيق العالمية التي تتعرض لها نساء في مجال الدعارة والصور الخلاعية، بل أيضا ماذا عن الزواج بالإكراه الذي يصاحبه عمل بالإكراه أيضا والذي يؤثر على الملايين من النساء في العالم ومصيرهن لا يختلف كثيرا عما كان يعانيه العبيد في الماضي؟ ووفقا لتقديرات مكتب العمل الدولي، فإن عدد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين الخامسة والسابعة عشرة والمجبرين على العمل "بما في ذلك بيع أجسادهم للممارسات الجنسية" يصل إلى ما بين 250 و300 مليون طفل، وظروف عملهم ومعيشتهم هي أشبه بالعبودية. إن هذا التقرير المثبت تقشعر له الأبدان. وإذا كانت الدول النامية هي الدول المعنية في المقام الأول بمثل تلك الممارسات، فإن هذه الأخيرة موجودة في الغرب أيضا. وفي شهر ديسمبر من العام ،2002 حدد قانون فرنسي، يدخل في إطار القانون الجنائي، "تجارة الكائن البشري" كجرم يحكم بموجبه على هذه الأشكال الجديدة من الرق والتبعية، بعقوبة حبس قد تتراوح بين 7 سنوات و20 سنة. ويستمر الكفاح ضد العبودية، إذ إن المعركة هي أبعد من أن تكون منتهية.

وداعا ساغان!

باريس - ديدييه جاكوب* في العام ،1954 نشرت فتاة لم تكن معروفة أولى رواياتها بعنوان: "صباح الخير أيتها التعاسة"، فأثارت فضيحة في ذلك الوقت وكانت سببا في شهرة وانطلاقة فرانسواز ساغان. لقد انطفأت هذه الكاتبة في 24 سبتمبر/ أيلول 2004 عن عمر يناهز 69 عاما. فتحية إكرام لها. كانت تقود سيارتها "الجاغوار" وهي حافية القدمين وتتألق في الملاهي الليلية في سان تروبيه وهي البلدة الأنيقة الواقعة على سواحل الكوت دازور في جنوب فرنسا. وكثيرا ما كانت تدخل في حياتها في تحد ومبارزة مع الذات من خلال استغلال مفرط لجميع الملذات التي من شأنها أن تسبب في انطفاء العمر سريعا. فهي شخصية طريفة وامرأة طائشة، كانت تحب الحياة على نمط سريع، وتتميز بالأناقة والسخاء. وكان الفرنسيون يعشقون هذه الكاتبة الموهوبة، فصنفوها على أنها رمز الشخصية الفرنسية المستحيلة في جمهورية الأدب، المشهورة في الخارج، إذ كانت تثير الفضول بقدر ما تفتن الألباب. ولدت فرانسواز ساغان في العام 1935 واسمها الحقيقي فرانسواز كواريز في إقليم اللوت الواقع في جنوب غرب فرنسا. وكانت تبلغ العاشرة من عمرها عندما انتقلت عائلتها للإقامة في باريس وكان والدها يعمل في المجال الصناعي. وفي خلال اثنين وثلاثين يوما، تمكنت فرانسواز ساغان من أن تطبع على الآلة الكاتبة، مستخدمة إصبعيها فقط، نص أولى رواياتها "صباح الخير أيتها التعاسة"، وأن تبعث به في يناير/ كانون الثاني 1954 إلى الناشر رينيه جوليار الذي أدرك أن بين يديه عملا رائعا. فمن أين استمدت اسمها المستعار؟ لقد وجدته لدى الكاتب بروست، وبكثير من الإعجاب، حي بها الكاتب الكاثوليكي الكبير فرانسوا مورياك على الصفحة الأولى من صحيفة "الفيغارو" في ذاك الوقت، ما أسماه شخصية تنم عن "مسخ صغير ظريف" فاشتهرت هذه العبارة في جميع أرجاء باريس واشتهر معها الكتاب أيضا. ومع هذه القصة التي تدور حول ملاحقات غرامية، تلقي فيها فتاة صغيرة نظرة ناقدة لتصرفات والدها الأرمل المحاط بسيدات أصغر منه سنا، انطلقت شهرة فرانسواز وولدت "ساغان".

روح الحرية

إن الذي يثير الإعجاب لدى ساغان هو شبابها وحريتها وأسلوبها السلس والبسيط، الذي هو بمثابة علامة مميزة هي من صنعها. وهو الأسلوب الذي نصادفه في نحو ثلاثين من الكتب التي ألفتها - وتمت ترجمتها وبيعها في أنحاء العالم أجمع - ومن بينها: "شيء من الابتسامة" العام ،1956 و"هل تحبون برامز؟" العام ،1959 و"الروح الجريحة" العام ،1972 وهي قصص عن حب زائل وعشاق مجروحين ألهمت السينما، التي قامت باقتباس الكثير منها. وينبغي ألا ننسى ما كتبته من المسرحيات والسيناريوهات والأغاني والأبحاث والذكريات "خلف الكتف، العام 1988". وفيما يخص الذكريات فقد كان لديها الكثير منها: ذكريا





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً