فرضت قوات الأمن الوطني الفلسطيني سيطرتها الأمنية الكاملة على كل المستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة، بعد أن اخليت تماما من أي وجود إسرائيلي بعد 38 عاما من المعاناة والكفاح ضد الاحتلال الاسرائيلي وموبقات المستوطنين، ليتمكن الفلسطينيون، صباح يوم الاثنين 12 سبتمبر/ أيلول ،2005 من الدخول ولأول مرة إلى المناطق التي سلبها الاحتلال منهم واقام عليها المستوطنات الإسرائيلية التي تم هدمها في اطار خطة فك الارتباط احادي الجانب، بعد اجلاء المستوطنين عنها. وتزامنت عملية انتشار القوات الفلسطينية مع مسيرات حاشدة خرج فيها المواطنون الفلسطينيون في كل أرجاء قطاع غزة احتفالا بتحرير الأرض الفلسطينية وزوال الاحتلال عنها. ولم يكن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، بما فيها قطاع غزة، احتلالا قسريا همجيا بقدر ما أنه سعى إلى فرض سياسة تقوم على الإحلال، بتفريغ السكان الفلسطينيين من أراضيهم، وإحلال اليهود محلهم ولما كان الاحتلال الإسرائيلي استيطانيا عنصريا اقصائيا، كانت استراتيجيته تهدف إلى زرع المستوطنات في كل مكان، وفرض جملة من الاعتداءات على الشعب الفلسطيني، لضربه وطمس هويته. وتدفق آلاف الفلسطينيين الى المستوطنات وهم يلوحون بعلامات النصر ويطلقون الألعاب النارية في السماء ويرفعون الأعلام الفلسطينية في كل مناطق المستوطنات التي انسحبت منها قوات الاحتلال الإسرائيلي. وعبر المواطنين في محافظة خان يونس "جنوب قطاع غزة" عن سعادتهم بالنصر، وشعورهم بالارتياح لأول مرة بعد 38 عاما في أرضهم من دون وجود حواجز وإطلاق نار وقتل واعتقال وخنق، وتنفس المواطنون الصعداء هذا الصباح بعدما تمكنوا من الخروج من منازلهم من دون الخوف من قنصهم من قبل القوات التي حولت حياتهم إلى جحيم. ويقول المواطن سمير داوود "36 عاما" من سكان خان يونس "حي الأمل" إن شعوره اليوم لا يوصف وهو يتجول بسيارته في المناطق التي كانت جاثمة عليها 14 مستعمرة احتلالية، منوها بأن عمر الاحتلال أكبر من عمره ووعى على الاحتلال والحرمان وفقدان كل شيء، مؤكدا أن هذه اللحظات بالنصر أنستنا هموم كل المعاناة التي عانيناها. وأضاف داوود، اليوم أشرقت شمس الحرية للمرة الأولى على قطاع غزة منذ أكثر من 38 عاما بعد خروج الاحتلال فجرا، مشيرا إلى أنه يستطيع الآن التنقل بحرية والوصول إلى كل المناطق من دون رؤية أي حاجز وأن المواطنين الفلسطينيين عانوا الأمرين على حاجزي أبوهولي والمطاحن شمال خان يونس، حيث أساليب الإذلال والقهر المتعمدة من طرف جنود الاحتلال المتمركزين على هذين الحاجزين، إذ اجبر المواطنون على الجلوس تحت أشعة الشمس الحارقة لعدة ساعات وأحيانا تمتد لأيام، لكن اليوم لا وجود للحاجزين للأبد وأصبح الذهاب إلى غزة يحتاج إلى نحو 25 دقيقة. من ناحيته، عبر المواطن إيهاب الصرفندي "28 عاما" عن بالغ سروره وسعادته بهذا الاندحار الاحتلالي عن أرضنا، مشيرا إلى أنه لأول مرة يشعر بهذا الشعور الجميل وهو يرى أبناء شعبنا رجالا وشيوخا أطفالا ونساء يتجولون هنا وهناك ويستكشفون أرضهم المحررة التي حرموا منها طوال سنوات عدة. وأضاف الصرفندي أن هذه الأراضي المحررة شكلت خلال سنوات الانتفاضة الماضية مصدرا للرعب والخوف والقتل المتعمد والدمار، منوها بأنه يستطيع الآن الخروج في أي وقت إلى شاطئ البحر الذي حرم منه مدة خمس سنوات والسباحة فيه والتمتع بمنظره. وتنفس المواطنون الذين يقطنون في منطقة المواصي "غربي محافظة خان يونس" الصعداء، إذ تمكنوا من الخروج من منازلهم من دون خوف من قنصهم من قبل تلك القوات التي حولت منطقتهم إلى سجن كبير . وأكد المزارع نبيل الأسطل "45 عاما" من سكان منطقة المواصي أن سعادته لا توصف وهو يرى قوات الاحتلال وهي تنسحب من المناطق التي شكلت خطرا على حياته وحياة أطفاله منذ بدء الانتفاضة وأنه يستطيع الآن التنقل بحرية والذهاب إلى مدينة خان يونس التي حرم منها خلال الانتفاضة وزيارة الأهل. وأضاف الأسطل الحمد لله الذي أطال في عمرنا لكي نشاهد هذا النصر العظيم الذي تحقق بدماء شهدائنا الأبرار وأسرانا البواسل، مؤكدا استمرارية النضال حتى إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها. وبين الأسطل أن حاجز التفاح "الممر الوحيد بين سكان منطقة المواصي وخان يونس" شكل حجر عثرة أمام تسويق المنتوجات الزراعية، إذ تكبد المزارعون خسائر فادحة طوال سنوات الانتفاضة من خلال منع القوات المتمركزة على حاجز الذل - كما يسميه - من تسويق منتجاته الزراعية في إشارة واضحة إلى أنه يستطيع الآن تسويق منتجاته من دون الانتظار على الحاجز لفترات طويلة وتعويض ما لحق به من أضرار. وذكر أن أهالي المواصي لم يناموا ليلتهم من شدة الفرح بهذا النصر الذي طالما حلموا به. وبدورهما عبر الطفلان محمد وحسن محيي الدين من سكان مدينة خان يونس عن فرحتهما بهذا النصر، مشيرين إلى انه فور سماعهما بدخول المواطنين إلى المناطق المحررة استقلا على جناح السرعة الدراجات الهوائية واتجها أولا إلى البحر للاستحمام بمياهه "التي حرمنا منها الاحتلال ومن ثم ذهبنا إلى أرضنا المزروعة بالجوافة والنخيل وأكلنا جوافة حتى شبعنا وبعد ذلك ذهبنا نستكشف المناطق المحررة التي حرمنا من دخولها خمس سنوات". وحمل المواطنون الرايات والأعلام الفلسطينية ابتهاجا بالنصر وتبادلوا عبارات التبريكات والتهاني بتحرير جزء من الأرض الفلسطينية. وفي مدينة غزة، اصطفت العشرات من السيارات على طريق صلاح الدين، الشريان الرئيسي الواصل بين شمال وجنوب القطاع قبيل مفرق الشهداء جنوب قطاع غزة في طريقها إلى ما كان يعرف بمستعمرة نتساريم التي شكلت خنجرا في قلب قطاع غزة طيلة أربعة عقود من الزمان. ورفع الكثير من المواطنين عبر نوافذ سياراتهم الأعلام الفلسطينية والرايات الوطنية، كما أطلق البعض العنان لأبواق سياراتهم تعبيرا عن مظاهر البهجة والسرور بجلاء قوات الاحتلال الاسرائيلي عن هذا الجزء الغالي من وطننا. وأدت السواتر الترابية التي كانت قوات الاحتلال وضعتها على شارع صلاح الدين والطرق المجاورة، وكذلك، الحفر القطعية العميقة إلى عرقلة حركة السيارات المتجهة إلى المنطقة التي كانت تمثل رمزا لوحشية الاحتلال وغطرسته. المواطنة هندومة المقيد "70 عاما" التي توجهت منذ الصباح الباكر تجاه ما كان يعرف بمستعمرة نتساريم أعربت عن سعادتها بانسحاب قوات الاحتلال، مؤكدة أنها تتوق إلى اليوم، الذي تنسحب فيه هذه القوات الغازية من القدس لتتمكن من الصلاة في المسجد الأقصى المبارك. وبدوره أكد الشاب إبراهيم جمال حماد "18 عاما" من تل الزعتر، أن هذا الانسحاب ما كان ليتحقق لولا التضحيات الجسيمة التي قدمها شعبنا وصولا إلى حريته، مضيفا "أن فرحتنا ستظل منقوصة طالما بقي أسير واحد في سجون الاحتلال الاسرائيلي". من ناحيته، تمنى المواطن علي عبدالعال "55 عاما" أن يتم استثمار الأراضي التي كانت تقام عليها المستعمرات بشكل يخدم أهداف وتطلعات شعبنا، مشيرا إلى أن هذا الزحف البشري لأبناء شعبنا تجاه مستعمرة نتساريم وغيرها من الأماكن التي أقيمت عليها المستعمرات والمواقع العسكرية الإسرائيلية السابقة يؤكد إصرار شعبنا وفرحته بزوال الاحتلال. وفي الضفة الغربية، أعرب المواطنون الفلسطينيون عن فرحتهم بزوال الاحتلال عن أجزاء من الاراضي الفلسطينية المحتلة في قطاع غزة. وتمنى الفلسطينيون أن يعم هذا الانسحاب جميع الأراضي بما فيها الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة، كما عبروا عن استيائهم من بقاء المعابر والمطار والميناء تحت السيطرة الاسرائيلية على رغم الانسحاب. وقال محافظ طولكرم اللواء عزالدين الشريف: "هذا إنجاز تاريخي عظيم فالانسحاب من قطاع غزة يجب أن يتبعه الهدوء والأمن والأمان إضافة إلى إنهاء الفقر والبطالة وحال الفلتان الأمني"
العدد 1104 - الثلثاء 13 سبتمبر 2005م الموافق 09 شعبان 1426هـ