عبدالجليل بن أحمد رجل في العقد الخامس من عمره، المديد بإذن الله، تحدث بحرقة بدأها بقوله إنني مواطن بحريني عشت ردحا من الزمن بين أقراني البحرينيين من أبناء المذهب السني الكريم وأبناء الشيوخ من أفراد العائلة الحاكمة الكريمة، وكنا نروح ونلعب لا فرق بيننا وبين اخوتنا من أبناء فريج الفاضل. في بيتنا مذاهب متعددة، احد اخواني "يجفت" أي يضع اليمنى على اليسرى اثناء الوقوف في الصلاة "أي على طريقة المذاهب "الثلاثة" من مذاهب أهل السنة" ولا نجد غضاضة في وجوده بيننا ولا هو يرى أية إشكالية في صلاتنا أو مراسم العزاء التي نقيمها في مختلف المواسم. يقول عبدالجليل: كنا في أواخر الخمسينات والستينات والشطر الأعظم من السبعينات لا نتوجس من بعضنا بعضا... لا فرق بين غلوم وجعفر وخالد وعبدالرحمن... ويتمنى "عبدالجليل" أن يستبدل أيامنا هذه بأيامهم تلك... ويؤكد: نحن مواطنون لنا حقوق وعلينا واجبات متساوون فيها لا فرق بيننا إلا بالكفاءة والجد والاجتهاد. لا نريد تدخلا من أحد ولا وصايا من أحد؛ فنحن راشدون، ونحن أعلم ببعضنا بعضا. وكلنا "عيال اقريه وكل منا يعرف خيه"... صوتنا على الميثاق ليكون هو العهد المكتوب والمنظم للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، وإلا فالعهد باق في النفوس... العهد لتعمير هذه الجزيرة "البحرين".ا.هـ. كم عبدالجليل نحتاج في البحرين لكي نلتفت لقضايانا المشتركة، ونعيد الثقة في بعضنا بعضا؟ عبدالجليل إنسان بسيط جدا، كما يصف نفسه بأنه "عامي"، عبدالجليل هذا يلقن الدرس الرئيسي في المواطنة لجميع الجمعيات التي تزين لافتات جمعياتها بكلمة "وطنية" و"وطني". لو كان بيدي لعينته استاذا لدروس التربية المواطنية في مدارسنا وجامعاتنا. نموذج عبدالجليل مع الأسف بدأ بالانقراض، بعد أن حل النموذج الطائفي، منذ أن تم تصدير الطائفية في بدايات الثمانينات! عبدالجليل يمقت الطائفية، ويعرف جنونها وضررها على المجتمعات وأثر سهامها المصوبة ناحية جسد المواطنة، فهي تحرف "الصراع" عن مساره الصحيح أي من التركيز على إعادة توزيع الثروة وتحقيق مبدأ المواطنة والعدالة الاجتماعية بين المواطنين في البحرين. وأنا متأكد أن عبدالجليل لم يقرأ ورقة إبراهيم "الشريف" السيد التي ألقاها في لندن، ولكنني أعدك يا "أخ العرب" بأنني سأحاول قدر الإمكان نشر مقتطفات منها في هذه الزاوية، إذ إن دهاقنة العمل الوطني الشريف جدا جدا قالوا: إنه من الممكن لإبراهيم أن يقول ما قاله في لندن هنا في البحرين بدلا من "الاستقواء" بالخارج! الإنسان السوي "Normal" "عكس المعوق "Handicapped" عقليا، مزاجيا، أو اجتماعيا وهو المحتاج إلى تأهيل ورعاية نفسية اجتماعية"، عبدالجليل السوي قام بتشخيص المرض الذي دب في أوصال مجتمعنا البحريني، وهناك دكاترة "Doctors" وأساتذة جامعة ونواب وكتاب وصحافيون غاب عنهم ما أدركه الإنسان السوي عبدالجليل! هل فعلا غاب عنكم ما أدركه هذا الرجل البسيط، أم ان وراء الأكمة ما وراءها؟
عطني اذنك.
الطائفيون يقومون باستثمار المشتركات الثقافية والاجتماعية بين أفراد الطائفة الواحدة من أجل الحصول على أكبر نسبة من المغانم، وهم وحدهم الأنانيون - النفعيون. تجدهم أول من يبادر إلى انتهاز الفرص المتاحة وقطف الثمار، والإنسان الطائفي نفعي بطبيعته وامتطائه حصان الطائفية لاستثمار الفرص المتاحة ليس إلا، وتجده لا يعبأ بالقيم والمبادئ ويرمي بها عرض الحائط في أول فرصة تلبي رغباته وطموحاته الخاصة. الأخ عبدالجليل ليس من هذا النوع إطلاقا، لذلك هو يتحدث بطبيعته وعلى السليقة عن المشترك الأكبر والقاسم الجامع بين الناس في البحرين وهو الوطن. ليت كل الناس عبدالجليل وليت عبدالجليل كل الناس لكان كفانا صراخا عن المواطنية "Citizenship" ودروسا في الوطنية. ويبقى ان عبدالجليل أنارت فكره شموع مضيئة في تاريخ الوطن، الباكر والعليوات والشملان وفخرو والموسى
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1104 - الثلثاء 13 سبتمبر 2005م الموافق 09 شعبان 1426هـ