رحم الله الإمام الشهيد حسن البنا، مؤسس حركة الإخوان المسلمين، فقد كان من دعاة الوحدة والتقريب بين المذاهب الإسلامية. فقد سجل التاريخ وقوفه كتفا لكتف مع إخوانه المسلمين الشيعة، داعيا إلى الوحدة والتقارب.هذه الحركة الناضجة التي تترفع على جروح التاريخ، أثمرت في فترة لاحقة عن الاعتراف بالمذهب الشيعي من ضمن المذاهب الإسلامية كلها. احتاج العالم الإسلامي إلى ثلاثة عشر قرنا ليستوعب درسا بديهيا تكرر مضمونه في القرآن الكريم مرارا: "وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" "الانبياء: 92". احتاج المسلمون إلى 1300 سنة للوصول إلى هذه الحقيقة، وما كان لهم أن يصلوها لو لم يوجد رجال "تاريخيون" من المذاهب المختلفة، تصححت نظرة كل منهم إلى "الآخر"، فلم يعودوا يعتبرونه خارج الملة، وأن الإسلام ليس حكرا على هذا المذهب أو ذاك، وأن "المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه" كما في الحديث الشريف. على أن الرجال التاريخيين لا يتناسلون، فغالبا ما يخلفهم رجال ونساء لا يعيشون ذلك السمو الروحي والأخلاقي، فـبعض "تلاميذ" البنا ثاروا على الشيخ محمود شلتوت، في فتواه بجواز التعبد بمذهب أهل البيت، في نكسة تحسب على منتسبي هذه الحركة الاسلامية. وما حدث مع تلاميذ الإمام البنا، تكرر في مناطق أخرى، فبعض المحسوبين على الإخوان في الأقطار الأخرى لم يكونوا في مستوى تطلعاته الكبرى. فالرجل الذي كان يفكر في حقوق المرأة، خلفه قوم يحاربون دخولها إلى البرلمان في بلد خليجي شقيق، ولم يعترفوا لها ببعض حقوقها السياسية إلا بعد تسلم "البونس"! الجداول إذا عندما تبتعد عن النهر الكبير تعلق بها الكثير من الشوائب والأدران. و"المريدون" كثيرا ما يتورطون في حمل شعارات أكبر من أحجامهم، فمن يطرح نفسه ممثلا للإخوان الذين يتفاخرون بـ "عدم مهادنة الطغاة"، يصبح في بلد خليجي، حليفا للقوى اليمينية المحافظة، ونصيرا لاستمرار الوضع الاجتماعي الذي يعج بالمظالم والتمييز. حتى لغة الخطاب تتحول إلى لغة متشنجة، هي أقرب إلى الشتائم والابتذال. وفي لحظات الانفعال يلجأ "ممثل الإخوان" إلى سحق "الآخر"، فلا ينظر إلى جاره على أنه "أخ في الدين" أو "نظير في الخلق"، بل يسلبه حتى الشراكة في الوطن. والآخر الذي يختلف معه في الرأي يتحول إلى "طابور خامس"، لا يشفع له كل ما قدم من تضحيات من أجل العدل والإصلاح الذي ناضل من أجله الامام البنا، وكل الأئمة العظام. هذه الازدواجية التي يعيشها بعض المنتمين إلى تيار "الإخوان"، تمثل خيبة أمل للكثيرين من أبناء هذا الوطن، سنة وشيعة، الذين يحتل في قلوبهم الامام منزلة كبرى. فإلى جانب الأداء المخيب لثمانية نواب في البرلمان، هناك الأشرطة المتشنجة، هي آخر ما يتوقعه الشعب من هذا التيار. فقد ينسى الناس حال "البيات الشتوي" الذي دام عدة عقود، ولكنهم لن ينسوا مثل هذه الانزلاق الخطر في اللعبة الطائفية القذرة، إذ ستسجل هذه المواقف المنفرة بأحرف من قار. حتى في المجال الذي برع فيه هذا التيار، وهو مجال العمل الاجتماعي والخيري، بعد أن تستوزر واحدة من التيار، تبادر إلى محاربته بطريقة أو بأخرى. فمن عرقلة مشروع "اتحاد الصناديق الخيرية"، إلى توريط بعض الصناديق والجمعيات في لعبة السياسة الطائفية، بتحريضها من وراء ستار، على إصدار بيانات "الشجب والتنديد"، بل وتبرير السياسة المتناقضة، بين منع الصناديق من التدخل في السياسة، وإقحامها فيها وقتما تشاء! فـ "لكل قفل مفتاح" في وزارة الشئون الاجتماعية في عهدها الجديد! آخر إبداعات هذه الوزارة الرسالة التي تلقتها الجمعيات والصناديق الخيرية بتاريخ السادس من سبتمبر/ أيلول: "أرجو موافاتنا بعدد صناديق جمع التبرعات، وأماكن تثبيتها ليتسنى للوزارة حصرها"، "على ضوء تحويل مسئولية إعطاء التراخيص لوضع صناديق جمع التبرعات في المساجد والمحلات التجارية من وزارة الشئون الإسلامية إلى وزارة الشئون الاجتماعية".فمن ليس له شغل كبير يلتهي بملاحقة الحصالات في المحلات التجارية! وعلى الجمعيات والصناديق الخيرية، والفقراء والمطحونين، أن يدفعوا ثمن هذا الفراغ، والسياسات القائمة على الشك والريبة. البعض يعزو هذه السياسة إلى أجندة خارجية، بإيحاءات أجنبية، تأتي في سياق "محاربة الإرهاب" التي تطنطن بها الولايات المتحدة منذ أربع سنوات، ومحزن جدا أن يتولى تيار ينتسب إلى الإمام الشهيد تنفيذها، إن صحت هذه التفسيرات. رحمة بالفقراء، وإخلاصا لناخبيكم، راجعوا أنفسكم، نوابا ووزراء أو "في أي حتة" تكونون، فما أكثر الشوائب التي تعلق بالجدول كلما ابتعد عن النهر الكبير!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1104 - الثلثاء 13 سبتمبر 2005م الموافق 09 شعبان 1426هـ