في ذكرى هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 صدرت مجموعة بيانات ومواقف على "الإنترنت" في توقيت يتصادف مع المناسبة. البيانات نسبت إلى تنظيم "القاعدة" ومن يمثله في العراق أو الولايات المتحدة. وبغض النظر عن صحة المواقع وما قيل عن مصدرها فإن صدورها في توقيت معين يخدم الإدارة الأميركية التي تعاني من ضغوط داخلية ناتجة عن تلك المضاعفات السياسية التي أطلقها إعصار "كاترينا". التوقيت غير موفق وكذلك المناسبة. وما صدر من بيانات لا يضيف الجديد إلى ما هو معروف ولا يغير من طبيعة الصراع أو توجهات الرئيس الأميركي. ولهذا السبب يمكن القول إن المستفيد الأول من لغة التهديد والوعيد التي وردت في البيانات المنسوبة "المجهولة المصدر" إلى "القاعدة" هو جورج بوش لأنها تعطي لسياسته الهجومية "التقويضية" صدقية يحتاج إليها في معركته الداخلية. ما خلاصة تلك البيانات؟ البيان الأول صدر في الولايات المتحدة وأذاعته محطة أميركية. وهذا تطور جديد في وسيلة الإعلام والنشر، مضافا إليه أن الجانب الذي ظهر في الصورة أميركي الجنسية يقول إنه ينتمي إلى "القاعدة" ويمثل تنظيمها السري في أميركا الشمالية. هذا على مستوى المكان والتوقيت. أما الأهداف الجديدة التي أعلنها فهي تهديد لوس أنجليس "كاليفورنيا" وملبورن "أستراليا" بضربات تشبه تلك التي أصابت مدريد ولندن. البيان الثاني نشر على الإنترنت ونسب إلى تنظيم "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" وهدد باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد القواعد الأميركية في العراق إذا لم يتوقف الهجوم على مدينة تلعفر خلال 24 ساعة. طبعا الهجوم لم يتوقف، بل أعلنت قوات الاحتلال أن هجومها وتدميرها وقتلها للمدنيين سيستمر إلى الغد "الخميس". هناك الكثير من الأسئلة يمكن طرحها في مناسبة صدور تلك البيانات وتوقيتها وما تضمنته من مواقف يخشى أن تكون الأطراف التي تطلقها وتنشرها تستهدف منها ليس الإثارة بل إعطاء الذرائع لقوات الاحتلال باستخدام ما تملكه من أسلحة غير تقليدية ضد المدن العراقية والمدنيين... ومن ثم اتهام الجماعات المسلحة والمقاومة بأنها هي الطرف الذي استخدم تلك الأسلحة. هذا الاحتمال ليس مستبعدا، فهو يخدم الإدارة الأميركية في لحظة بدأ الخناق يضيق عليها داخليا وتريد بعض الذرائع لتبرير سياسة التخويف التي تعتمدها لتغطية أعمالها العسكرية. فالرئيس الأميركي الآن في وضع سيئ وموقفه الداخلي بدأ يضعف وبات يحتاج إلى مثل هذه البيانات غير الموقعة والمجهولة المصدر لتوظيفها في معاركه السياسية ضد خصومه في الشارع أو الكونغرس. الشكوك بشأن تلك البيانات والتصريحات ليست مجرد فرضية أو نتاج أوهام لا تستند إلى وقائع. فالمعلومات تشير إلى وجود خطة رفعتها هيئات تعمل في وزارة الدفاع "البنتاغون" تقترح على الوزير دونالد رامسفيلد استخدام السلاح النووي ضد خصوم الولايات المتحدة في حال اضطرت إلى ذلك. هذه الخطة التي تداولتها وكالات الأنباء العالمية في مناسبة 11 سبتمبر هي وثيقة صدرت في 15 مارس/ آذار الماضي وتنتظر توقيع رامسفيلد لتصبح رسمية وسارية المفعول. وتتضمن الخطة الكثير من الأفكار الجهنمية منها استخدام "الأسلحة النووية بفاعلية" بذريعة "ضربات وقائية" ضد أعداء حكوميين أو غير حكوميين "من أجل منعهم من استخدام أسلحة دمار شامل". وفكرة الضربات الوقائية تعني الكثير من الاحتمالات، منها استخدام الأسلحة غير التقليدية في حال استخدم الطرف الآخر "المجهول طبعا" مثل هذا السلاح، أو في حال "فكر في استخدام أسلحة دمار شامل ضد القوات الأميركية أو الحليفة". الاحتمال الثاني أخطر من الأول لأنه يحاسب على النيات ويعطي ذريعة لضرب "الآخر" حتى ولو لم يفكر في الأمر. ويذهب أيضا إلى توسيع تفسير معنى الخطر، لأنه يعطي الحق في أن توجه ضربات استباقية بذريعة التخلص من ترسانة أو تدمير "تحصينات تحت الأرض" أو بنى تحتية يحتمل أن تستخدم لإنتاج أسلحة معينة. هذه الوثيقة التي سربتها "البنتاغون" إلى وكالات الأنباء في ذكرى 11 سبتمبر هي المخيفة وهي تجيب فعلا عن أسئلة أثارتها تلك البيانات في أميركا وبلاد الرافدين وهددت بهجمات في لوس أنجليس وملبورن أو باستخدام أسلحة كيماوية على قواعد في العراق. فالخطة التي نشرتها الوكالات نقلا عن وثيقة "البنتاغون" هي من نوع "الضربة الوقائية" التي تفكر بها واشنطن ولكنها تميل إلى إحالة نتائجها إلى بيانات منسوبة إلى "القاعدة" ونشرت على الإنترنت. هذا احتمال وكل الاحتمالات في هذا المعنى مجنونة... أو مشبوهة.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1104 - الثلثاء 13 سبتمبر 2005م الموافق 09 شعبان 1426هـ