هل يمكن للبحرين أن تستفيد من تجربة اليابان؟ هذا هو السؤال الذي طرح علي عدة مرات منذ أن كتبت عن هذا البلد الشرقي في الأسابيع الماضية. وأعلق بالقول: إن أية تجربة يمكن الاستفادة منها، وهناك الدروس الكثيرة من التجربة اليابانية، ولعل آخرها الانتخابات البرلمانية التي جرت في 11 سبتمبر/ أيلول الجاري وفاز فيها رئيس الوزراء جونشيرو كويزومي بغالبية ساحقة "23 في المئة من المقاعد" وتعتبر النتيجة تاريخية بالنسبة إلى اليابان، وهي تفيدنا لو تعلمنا منها في البحرين، وتفيد الجمعيات السياسية التي تحاول تطوير خطابها للدخول في العملية السياسية. الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي ينتمي إليه كويزومي حكم اليابان خلال الخمسين سنة الماضية ما عدا عشرة أشهر في هذه الفترة. وأصيب اليابانيون بإحباط كبير بعد أن ضرب الكساد اقتصادهم في العام ،1990 وهذا أدى إلى جرح كبريائهم، واستمرت الأزمة والإحباط طوال السنوات الماضية، حتى مجيء كويزومي إلى رئاسة الوزراء قبل أربع سنوات ليطرح برنامجا إصلاحيا يتركز أساسا على تصغير عدد الوزارات وتقليل الإجراءات والشروع في الخصخصة بشكل كبير. وكانت المصادمة بينه وبين أعضاء حزبه "القدامى" قد وصلت أوجها في أغسطس/ آب الماضي عندما رفض البرلمان مشروع خصخصة البريد الذي يمتلك بداخله أكبر مصرف في العالم، ويشتغل في نشاطات التأمين والادخار ويمتلك أصولا تبلغ قيمتها ثلاثة تريليونات "مليون مليون" دولار. الشعب الياباني كان قد مل من الحزب الليبرالي الديمقراطي وسيطرة الحرس القديم على مفاصل الحياة العامة، ولكنه ينظر إلى كويزومي على أنه شخص مختلف... يلبس الثياب الأقل رسمية، ولذلك فإن الشعب يطلق عليه عدة أسماء من بينها اسم الممثل الأميركي "ريتشار جير" وأسم "لايون كنغ"، أي "الأسد - الملك" وهو اسم الفيلم الكارتوني الشهير. كويزومي أعلن الحرب على الحرس القديم في حزبه، وطلب حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة، وقام بطرد الأعضاء "الحرس القديم" الذين عطلوا مشروعه الإصلاحي وذلك من خلال ترشيح مجموعة من الأشخاص الذين يؤمنون به للانتخابات، وهؤلاء أطلقت عليهم الصحافة اليابانية اسم "فرقة الاغتيال"، لأنهم قضوا على الحرس القديم ودخلوا البرلمان وحققوا فوزا ساحقا لم يحلم به الحزب أبدا. كويزومي كرر اثناء حملته الانتخابية أن إصلاح اليابان يتطلب إصلاح أكبر قوة سياسية فاعلة في الحياة العامة "الحزب الليبرالي الديمقراطي"، وأعلن للشعب أنه لن يتهاون أمام من يقف حجر عثرة أمام الإصلاحات. الشعب الياباني من جانبه شعر بأن هناك إرادة قوية وأن هناك فرصة للتغيير، ولذلك توجهوا إلى صناديق الاقتراع وقاموا بطرد الذين يقفون حجر عثرة أمام مشروع الإصلاح الذي طرحه رئيس الوزراء، وأعطوا دعما لم يكن يحلم به كويزومي أو أعضاء حزبه من الجيل الجديد الذين يسعون إلى إعادة النشاط والحيوية إلى الاقتصاد الياباني. مع الإرادة والإصرار والطرح الواضح والقيادة الجريئة، يمكن لمن يتصدر مجموعة حزبية أو نشاطا إصلاحيا أن يحقق الكثير من خلال اجتذاب الدعم الشعبي والاعتماد على مجموعة من الأشخاص القادرين على تنفيذ البرنامج المطروح على الساحة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1104 - الثلثاء 13 سبتمبر 2005م الموافق 09 شعبان 1426هـ