كان الجمهور على موعدٍ مع ليلةٍ قمريةٍ مساء الخميس الماضي، حيث أحيت جمعية الإمام مالك بن أنس ليلة الجمعة الماضية حفلا إنشاديا جميلا في ذكرى نبي الهدى (ص).
الحفل الإنشادي كان تحت شعارٍ مستمدٍ من الآية القرآنية الكريمة: «ولسوف يعطيك ربّك فترضى»، من سورة الضحى، وهي من السور القصار ذات الإيقاع الآسر للقلب، إذ يمنّ الله على عبده محمد (ص)، بأن وجده يتيما فآواه، ووجده ضالا فهداه، ووجده عائلا فأغناه. هذا الفقير اليتيم الذي كان يقلّب طرفه بين السماء والأرض، باحثا عن طريق الخلاص، فاختاره الله ليكون للعالمين بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا. وحقّ لأمةٍ يكون هذا نبيها أن تحتفل بذكراه كل صباح ومساء، وتربّي أطفالها على حبه وأخلاقه وسجاياه.
ابتدأت الأمسية بعرض فيلم تعريفي بأنشطة الجمعية المنظّمة، التي تقيم هذا الحفل للعام الخامس على التوالي. وحفل هذا العام أحيته فرقة إنشادٍ سورية، أسست قبل 18 عاما، بينما أحيا حفل العام الماضي المنشد الحلبي الكبير حسن حفّار، صاحب الحنجرة الذهبية والأداء الرائع البديع. وعندما سألت عن عدم حضوره قيل إن له ارتباطات في دولٍ كثيرةٍ منعته من المشاركة هذا العام.
الحفل ابتدأ عند الساعة التاسعة مساء، وغصّت قاعة مركز عيسى الثقافي بالحضور من الجنسين، ومن أعمار مختلفة، وكان واضحا تفاعل الجمهور مع الأناشيد والمدائح النبوية، التي تمثّل امتدادا تاريخيا لشعر المديح النبوي، الذي بدأه شاعر الرسول الصحابي حسان بن ثابت (رض)، وسار على نهجه كثيرون. فأنت في هذه القاعة لا تستمع إلى أناشيد وأشعارا حديثة فحسب، وإنما تشعر برباطٍ تاريخيٍّ قديمٍ يربطك بالسنوات الأولى من فجر الإسلام العظيم.
كان من بين المتحدّثين الشيخ إبراهيم (إن لم تخني الذاكرة) أحد شيوخ الصوفية من الإحساء بالسعودية، الذي تقدّم إلى المنصة متوكئا على عكّازه، وتحدّث عن تاريخ المدح النبوي، وذكّر بقصيدة «بانت سعادٌ فقلبي اليومَ متبولُ» الشهيرة، التي كانت سببا في عفو الرسول (ص) عن كعب بن زهير، وإلقاء بردته عليه، حتى اشتهرت بقصيدة «البردة».
في ختام الأمسية، صدعت حناجر المنشدين بالقصيدة الخالدة: «طلع البدر علينا... من ثنيات الوداع»، التي ترجعك 14 قرنا إلى الوراء، لتعيش أجواء استقبال الرسول (ص) لحظة دخوله المدينة المنورة.
في هذه المرحلة التي تعصف بها رياح التفرقة والتشرذم الطائفي، وتنفق الأموال الطائلة لإشاعة الفتن بين مذاهب المسلمين، لم يبق إلا القليل من الوسائل التي يمكن أن تلم الشمل، وترقّق القلوب القاسية، من بينها هذه الأمسيات الروحية التي تجمع القلوب على حب المصطفى (ص).
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2422 - الخميس 23 أبريل 2009م الموافق 27 ربيع الثاني 1430هـ