العدد 1103 - الإثنين 12 سبتمبر 2005م الموافق 08 شعبان 1426هـ

أخطاء معسكر ميركل يوفر لشرودر فرصة واقعية للفوز

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

انقلب السحر على الساحر. .. هذا القول يعبر عن واقع المأزق الذي يواجهه الاتحاد المسيحي المعارض في ألمانيا الذي يطمح بأن يستعيد السلطة التي فقدها في العام .1998 وفقا لآخر عمليات استطلاع للرأي أجرتها مؤسسات مستقلة مختصة، يملك المستشار الاشتراكي غيرهارد شرودر الآن فرصة واقعية للفوز بولاية ثالثة. فقد أوضحت نتائج استطلاع نخبة من الناخبين مدى الخوف الذي يعتريهم من حكومة محافظة تتزعمها أنجيلا ميركل ويكون فيها نفوذ واسع لرئيس وزراء بافاريا إدموند شتويبر. ونبه أحد المراقبين إلى ملاحظة، وهي أن غالبية الألمان يريدون فعلا حكومة جديدة ولاسيما أن حكومة الائتلاف الاشتراكي الأخضر لم تحقق لهم الكثير في السنوات السبع الماضية ولم تتغلب على أزمة البطالة المستفحلة. لكن هل الاتحاد المسيحي هو البديل الأفضل؟ انها الإجابة التي تكشف نتائج استطلاع الرأي عدم ثقة غالبية الألمان بميركل وحكومة الظل التي شكلتها حين أعلنت انطلاق الحملة الانتخابية. وأشارت نتائج استطلاع الرأي التي نشرت خلال عطلة نهاية الأسبوع إلى استمرار ضيق الفارق في النقاط بين الاتحاد المسيحي وحليفه الحزب الليبرالي مقارنة مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم وحزب الخضر وكذلك الحزب اليساري. إذ زاد عدد نقاط الاشتراكي أربعة في فترة قصيرة عقب المناظرة التلفزيونية التي تمت قبل أكثر من أسبوع بين شرودر ومنافسته ميركل، إذ أجمعت وسائل الإعلام المحلية على أن شرودر خرج فائزا فيها. وبعد المناظرة لاحظ المراقبون صحوة الاشتراكيين الذين فقدوا حتى حينه كل أمل في الفوز بالانتخابات المبكرة المقررة بتاريخ الثامن عشر من الشهر الجاري. وعقب تراجع شعبية الاتحاد المسيحي وحليفه الليبرالي لاحت أمام شرودر وحزبه بارقة أمل. وعلى عكس الحملات الانتخابية السابقة لم يشر شرودر بعد إلى رأيه بشأن هيكلية الحكومة المقبلة، وما إذا سيعمل في تشكيل حكومة ائتلافية مع الخضر الذين يحكم معهم منذ سبع سنوات. وتجنب شرودر الإجابة على هذا السؤال في لقاء صحافي نشر هنا يوم السبت الماضي، لكنه قال إن هيكلية الحكومة المقبلة سيقررها الناخبون أنفسهم. وكان شرودر قد طلب إجراء انتخابات مبكرة في مايو/أيار الماضي وبرر قراره الذي فاجأ قادة حزب الخضر بأنه لم يعد يشعر أن غالبية الألمان يساندون سياسته الهادفة إلى القيام بإصلاحات مؤلمة، لكنها تكفل مستقبل أفضل للجيل المقبل. وجاء قرار شرودر مباشرة بعد خسارة حزبه الانتخابات المحلية في أكبر معقل له بولاية شمال الراين وستفاليا وكان هذا صدمة قوية له وللاشتراكيين الألمان. وقبل أسبوع على توجه نحو 61 مليون ناخب ألماني إلى صناديق الاقتراع أصبح أمام شرودر فرصة واقعية بالفوز بولاية ثالثة. لم يكن هذا ليتم لولا مساعدة حصل عليها من خصومه في الاتحاد المسيحي. وكافأ الفريق الانتخابي الذي يعمل لصالح الحزب الاشتراكي الحاكم الخصوم بلغة الملصقات الانتخابية. إلى جانب صور يظهر فيها شرودر كداعية للسلام في العالم وكمحفز للإصلاحات، علق مؤيدوه ملصقات يظهر فيها رئيس حكومة بافاريا شتويبر وتحتها كلمة "شكرا" وملصقا مماثلا لوزير المالية في حكومة الظل باول كيرشهوف. ينبغي الإشارة هنا إلى أن الاتحاد المسيحي تقدم في البداية على الاشتراكيين والخضر نتيجة عدم رضا المواطنين عن السياسات الداخلية للحكومة الحالية. من دون أن يقوم المعسكر المحافظ بنشاط يذكر أو الحديث عن سياساته البديلة. كما لم يكن عند غالبية الناخبين الألمان ما يعارض حصول ميركل التي تنحدر من ألمانيا الشرقية السابقة على منصب المستشار وخصوصا أنها ستكون أول امرأة تحصل على هذا المنصب منذ تأسيس ألمانيا الاتحادية في العام .1949 كما أنه منذ العام 1990 أي بعد إعادة توحيد ألمانيا أصبح الناخبون في الولايات الخمس الجديدة التي تشكلت على أرض ألمانيا الشرقية يحسمون نتائج الانتخابات العامة. هكذا فعلوا في العام 1990 حين ساعدوا المستشار المحافظ هيلموت كول على البقاء في منصبه على رغم أن المراقبين كانوا يعتقدون أن ثقافتهم السياسية تميل لليسار، وأنهم سيؤيدون الحزب الاشتراكي. غير أن كول كان ذكيا بما فيه الكفاية ليبلغ الألمان الشرقيين أنه بعد نهاية العهد الطويل للحكم الاشتراكي الذي حرمهم من العيش الكريم ستعمل حكومته المقبلة ليصار في تحسين أوضاعهم المعيشية بحيث يعم الرفاه في مناطقهم بمستوى الرفاه الموجود نفسه في الشطر الغربي. وكان الاتحاد المسيحي يأمل من خلال ترشيح ميركل، أي امرأة من الشطر الشرقي، أن يحصد أصوات الألمان الشرقيين لكن ظهر في الأفق ما أفسد هذه الاستراتيجية. ابنة القسيس التي كان كول يناديها "فتاتي" وحصلت على أكثر من منصب وزاري في حكومة ائتلاف اليمين الوسط السابقة، لم تكسب قلوب أقرانها في الشطر الشرقي ولم تتبن يوما مشكلاتهم وقضاياهم، وتنقل ما يساورهم مثلما فعل على سبيل المثال ابن جلدتها رئيس البرلمان الاتحادي فولفجانج تيرزي الذي ينتمي للحزب الاشتراكي. انتمت ميركل بعد الوحدة للاتحاد المسيحي الديمقراطي وحصلت على ما لم يحصل عليه أحد من مواطني بلدها الأصلي. مع الوقت فقدت صلتها بالشارع الألماني الشرقي ويسجل عليها الشرقيون هذا المأخذ. وحين زارت ميركل الشطر الشرقي قبل أسبوعين رفع شاب يافطة كتب عليها: لا شكرا، أنجيلا الشرقية في خدمة الأثرياء فقط. الظهور المفاجئ للحزب اليساري الذي يتزعمه الرئيس السابق للحزب الاشتراكي أوسكار لافونتين خلط الأوراق من جديد في الساحة الألمانية. لأول مرة حصل حزب الديمقراطي الاجتماعي خليفة الحزب الشيوعي في الشطر الشرقي على فرصة لدخول البرلمان الاتحادي بقوة أكبر من خلال التحالف مع لافونتين الذي يحظى بشعبية في أوساط اليساريين في الشطر الغربي. كما من الاحتمالات الواردة أن يقوم شرودر بتشكيل حكومة تجمع حزبه الاشتراكي مع الخضر والحزب اليساري على رغم نفي المستشار وجود هذه الفكرة على الطاولة. في الغضون يشعر الاستراتيجيون في معسكر ميركل بالحرج وهم يطالعون الصحف المحلية الصادرة في الشطر الشرقي. ليس فقط بسبب التعليقات التي تشكك بقدرة "المستشارة ميركل" على حل المشكلات وإنما بسبب تنامي الإعلانات التي يمولها حزب شرودر وتتضمن تحذيرا صريحا للناخبين في الشطر الشرقي من النتائج المؤلمة لمجيء حكومة تتزعمها ميركل. لكن تراجع شعبية المحافظين في الشطر الشرقي بالذات ليس فقط بسبب الحرب النفسية التي ينشط بها حزب شرودر. إذ حصل ما كان ينبغي عدم حصوله إطلاقا. رئيس حكومة بافاريا إدموند شتويبر، أراد انتخابات غربي ضد شرقي حين قال في مهرجان انتخابي إنه لا ينبغي للمستاءين في الشطر الشرقي تقرير مصير الانتخابات العامة. الهدف الذي لم يقر به شتويبر هو حشد الطاقات الانتخابية في الشطر الغربي لإزاحة شرودر عن السلطة. انقلب السحر على الساحر. سرعان ما هبطت شعبية الاتحاد المسيحي في الشطر الشرقي وزادت شعبية الحزب اليساري وكذلك الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم. كذلك فإن من كانت تظنه ميركل رجل الساعة الذي سيساعد استعادة المحافظين السلطة، القاضي السابق في المحكمة العليا باول كيرشهوف، المرشح لمنصب وزير المالية، كشف فيما ذكره حتى اليوم أنه سيتبع سياسة مالية مشددة تثير الخوف منذ الآن في نفوس المواطنين الألمان. يركز شرودر هجومه منذ أسبوع على كيرشهوف الذي يواجه انتقادات من كل صوب وأصبح عبئا على ميركل وربما كما يرى بعض المراقبين أهم سبب لانخفاض شعبيتها. على رغم أن تصريحات شتويبر المهينة للألمان الشرقيين لم تعد موضع مناقشات يومية في الشطر الشرقي بالذات، لكن نتج بسببها تباعد بين الألمان الشرقيين والاتحاد المسيحي المعارض. كما أن الألمان الشرقيين لم يعتبروا يوما أنجيلا ميركل فتاتهم مثلما كان يفعل كول ولهذا فإنه بعد المناظرة التلفزيونية لا يفضل الألمان في الشطر الغربي شرودر في منصب المستشار على ميركل فحسب بل يؤيدهم بذلك أقرانهم في الشطر الشرقي

العدد 1103 - الإثنين 12 سبتمبر 2005م الموافق 08 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً