كوني حقيقة لم أكن من الطلاب (الشطار) في أيام الدراسة الابتدائية والاعدادية والثانوية، بعكس الدراسة الجامعية، إلا أن جل ذكرياتي تنصب على مستوى العلاقات والمواقف التي لن أنساها بعضها استمتع بسردها وتداولها وبعضها أحمد الله أن حتى زملاء الدراسة نسوها وراحت في طي ملفات ذكريات الطفولة وفي دهاليز النسيان، بل إنني أتذكر بعضها مع بداية كل سنة دراسية، غير أن هذا العام سيكون مختلف تماما عن سابقه... فأن تكون أب أهون بكثير من أن تكون أب لطفل يخطو خطواته الاولى للفصل الدراسي في المدرسة... فهذا مؤشر واضح على أننا قد كبرنا! وهذه فطرة الانسان أنه لا يريد أن يتذكر بأن أيام عمره (تركض) بهذه السرعة .. فدخولي الى المدرسة وممسك بيد ابني فواز أوصله إلى فصله الاول فرقة ثلاثة هو الموقف بالضبط الذي عشته في سنيني الاولى بمدرسة ابن سيناء في رأس الرمان، غير أن الدور كان للوالدة أم جاسم حفظها الله وأطال في عمرها. خطواتي الاولى مع فواز والتي كانت مليئة بالخيال والشوق إلى مفاجآت لا نعرف عنها شيء... وإلى مستقبل مجهول نجهل أبجديات تفاصيله... ولكن أفراد أسرتنا هم من بنوها ليزرعوا فينا حب واحترام وهيبة هذه المؤسسة التعليمية وعلى رأسهم المدرس.
لم أتردد في أن أخذ لي لفة في أروقة المدرسة... طبعا هي ليست نفس المدرسة التي درست فيها ولكن أروقتها وتفاصيل مبانيها وملاعبها ورمالها تتشابه... كراسي الصف وطاولاته تتشابه... الوسائل والانشطة الصفية، وقد كان هذا غرامي وجزء من بداياتي الصحافية معلقة على الجدران والاهم من هذا كله هو رائحة المدرسة التي لم تتبدل... فهو خليط من روائح الكتب والاثاث وأشياء أخرى.
أتصفح كتب فواز لأرى أسماء شخصيات غير التي درسناها... فهنا البطل هو عامر وأمه مريم وأبوه حمد... على عكس بطل أيامنا هو (حمد)... فعندما كان الاستاذ علي يوقفني عند السبورة أم الطباشير لأمسك في يميني قلم وفي يساري ورق ويصدح تلاميذ الصف كلهم «مع حمد قلم وورق» أو أن أكون ممسك بالبلح ويصدح الزملاء «مع حمد بلح» وهذه العبارات التي لازال زملاء الدراسة يذكروني بها!
مررت لأسلم وأبارك وأوصي الهيئة الادارية والتدريسية على فواز... فلم أرَ السلاح الفتاك الذي كان متربعا على طاولة جميع المدرسين على أيامنا... إنها العصا... فلو كان هناك نظام الضرب إلى الآن فأعتقد بأن أبناءنا لن يتحملوا ما كان آباؤهم (وأنا منهم) يتحملون! ولرأينا جمعيات ومراكز وهيئات ومنظمات حقوق الانسان تكتب ما تيسر من تقارير تتهم البحرين بانتهاكات صارخة لحقوق الطفل وكأن البحرين قاصرة تقارير تدينها؟!
وحتى القرطاسية التي يملكها فواز... فهي (سبشل) لم تكن متوافرة على أيامنا، صور سبايدرمان على كل قطعة... ابتداء من الشنطة الى المقلمة وعلبة الاكل والاقلام وحتى غرشة الماي والليبل! بغير القرطاسية التي كان يملكها أبوه... فهي من كل قطر أغنية .. مقلمة تنغلق بمغناطيس عليها صورة ورود... وأقلام (ناشف) بو 50 فلس... وشنطة جميلة بها الكثير من المخابئ... والدفاتر العادية بو 60 إللي لونهم أحمر وبهم جدول الضرب من الخلف، وكلهم طبعا مجلدين بأنامل الوالدة أم جاسم بتلك الجلادة البنية وذلك الليبل السادة لتخط عليه أختي أم كميل أسمي بخط واضح وجميل.
والملاحظة الاطرف التي خرجت بها أيضا أن مدرسين فواز سياراتهم جميلة آخر موديل بغير مدرسينه السابقين غير الكريسيدا القديمة المكسرة ما نشوف!
باختصار... ما يعيشه أبناؤنا الآن من حياة دراسية أفضل بكثير مما عاشاه آباؤهم (نحن)... فتقنية الكمبيوتر والشفافيات والكثير من التقنيات التعليمية موجودة لهم لم تكن موافرة لدينا... وما لاحظته بشكل واضح وجميل هو توافر المعلمين من بني جلدة أبنائنا... وهو ما كان ينقصنا فعلا على أيامنا... فقد كنا لا نفهم ما يقوله الاستاذ في أحيان كثيرة عندما يلفظ الكلمة بلهجته؟ لاسيما مدرس الانجليزي! نهاية لا يسعنا إلا أن ندعو ونتمنى بأن يكون عام دراسي سليم... لا طالب مضروب ولا مدرس مضروب أيضا!
إضاءة
حرية الرأي والتعبير لها ضريبة... ومن يدفع ضريبتها في الغالب هو (نحن) وكل من يمتهن أي وسيلة من وسائل التعبير... ونصيب الاسد لكل من يستخدم (لسانه) فلا ينطبق المثل القائل «لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك» فهذا سالفته كلش بعيد
إقرأ أيضا لـ "حمد الغائب"العدد 1102 - الأحد 11 سبتمبر 2005م الموافق 07 شعبان 1426هـ