يبدأ القاضي الألماني ديتليف ميليس مساره بدمشق اليوم الاثنين في إطار التحقيق في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري بعد وقت من المماطلة والتأجيل، ويفترض ان تكون البداية في لقاء القاضي ميليس الرئيس بشار الاسد والذي سيأخذ شكل لقاء برتوكولي اصرت دمشق على اضفائه على الزيارة او على بعض منها رغم ما احاط بها من اقوال وتقولات وظروف، كانت في جانب منها سبب تخوفات سورية من تسييس زيارة المحقق الدولي، وهو امر يمكن القول إن سورية تجاوزته بصورة جزئية في ضوء ثلاث نقاط اساسية، اولها قول الرئيس الاسد إن بامكان ميليس الاستماع الى "أي مواطن سوري"، والثاني تأكيد مصدر رفيع المستوى الحرص السوري على معرفة الحقيقة في اغتيال الحريري، لان "سورية هي أكثر الخاسرين من ضياع حقيقة من قتل الرئيس الحريري"، والثالث إعلان سورية نزاهة ومهنية القاضي الألماني. والخطوة الثانية في مسار ميليس في دمشق انتقاله للاجتماع مع الخبير القانوني في وزارة الخارجية السورية رياض داودي، وهناك سيكون القسم الاهم في مسار القاضي الالماني في دمشق، إذ يتم الاتفاق على تحديد برنامج الزيارة، ومحتوياتها بما في ذلك اسماء الذين سيقابلهم القاضي الالماني، وسيكون بينهم كبار المسئولين الامنيين السابقين في لبنان ومنهم وزير الداخلية والرئيس السابق لجهاز المخابرات العسكرية هناك اللواء غازي كنعان، وخليفته في المنصب العميد رستم غزالي والعمداء جامع جامع ومحمد خلوف ومنير جلعود وهم بعض اركان غزالي في لبنان. واذا كان هدف القاضي ميليس من زيارة دمشق الاستماع الى شهادات عدد من المسئولين السوريين الذي عملوا في لبنان، فقد اوضح، ان من سيستمع لهم من السوريين هم مجرد شهود، لكن الامر قد يتعدى ذلك بعدها، بان يصير بعضهم في موضع الشبه على نحو ماصار اليه جنرالات الامن اللبناني الاربعة والذين تم توقيفهم في بيروت على ذمة القضية، وهذا سيتطلب من القاضي ميليس مناقشة الاجراءات والآليات التي ينبغي اعتمادها مع دمشق في سبيل هذه الغاية، وغالبا فان ذلك سيتم مع خبير وزارة الخارجية السورية رياض داودي. وازاء التحفظ السوري في قيام القاضي ميليس بالاستماع الى شهادات من يقابلهم في مكاتبهم او في وزارة الخارجية السورية، لان من شأنه ان يمس بسيادة الدولة السورية، فإن المقابلات ستتم في مكان محايد هو احد المكاتب التابعة للامم المتحدة أو لواحدة من المنظمات الدولية العاملة في سورية، وسوف يتطلب الأمر برمجة مقابلات ميليس، إذ سيكون من المتعذر قيامه باجراء تلك المقابلات في يوم واحد، وقد لا يكون ذلك ممكنا في يومين، وهو ما يعني، ان الزيارة سوف تتكرر، وتكون زيارة الاثنين هي زيارة تمهيدية، لكنها محاطة بتأكيدات التعاون بين دمشق والقاضي الذي توقع قبيل وصوله الى دمشق "تعاونا من السلطات السورية" عشية زيارته الى دمشق، واعطى تلك الزيارة اهميتها بالقول "بدون تعاون سورية لن يكون لدينا صورة كاملة للوضع"، لكنه اضاف في اشارة مضمرة الى امكان عدم تعاون دمشق او تلكؤها فيه قائلا "لكن يمكننا التوصل الى المعلومات نفسها بواسطة أطراف آخرين". وهناك خطوة لاحقة مهمة في مسار ميليس في دمشق، وهي التدقيق والمقارنة بين الشهادات التي يسمعها في دمشق وخلاصات التحقيقات، التي شملت سماع مئات اللبنانيين من المدنيين والعسكريين، بما الخلاصات المتصلة بالاشخاص المقربين الى سوريا في لبنان وبينهم جنرالات الامن اللبناني الاربعة المعتقلون، والنائب السابق ناصر قنديل ورجل الاعمال إبراهيم شرارة الذي وصفته مصادر لبنانية بانه "رجل العميد غزالي"، وسيتوقف على هذه المقارنة توجهه لسماع شهادات جديدة لشهود سوريين ولبنانيين جدد، او العودة الى سماع شهود او متهمين تم استجوابهم في قضية اغتيال الرئيس الحريري. وسيكون على ميليس في دمشق التدقيق في اقوال منشقين سوريين، قيل ان لجنة التحقيق الدولية، استمعت اليهم في وقت سابق بعد ان وصلت اليهم بطريقة ما، وظهر اسما اثنين منهم على الأقل، وارتبطت بواحد منهما اقوال عن دور سوري في جريمة اغتيال الحريري وتوفير المواد شديدة الانفجار التي تم استخدامها في تفجير عين المريسة. مسار ميليس في دمشق في زيارته الأولى، سيحدد ما يمكن ان يتم لاحقا ليس في الفصل السوري من عمل لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس الحريري، بل في القضية كلها، لان ما سيفعله ميليس في دمشق، هو وضع نهايات وخواتم للاسئلة المفتوحة، وللروايات الناقصة، وهو في كل حال ما لم يتوصل الى ذلك في دمشق، فانه سيعود الى أوراق وشهادات اخرى يستمد منها تلك الخواتم والنهايات، مكملا رواية التحقيق الدولي في اغتيال الحريري.
دمشق - الوسط
يبدأ القاضي الألماني ديتليف ميليس زيارته الاولى الى دمشق اليوم الاثنين في إطار تأكيد سوري بالتعاون معه في وقت لاتخفى فيه التخوفات السورية ما قد يتمخض عن الزيارة من نتائج تذهب بعض التقديرات الى القول انها ستكون قاسية على سورية. "الوسط" توقفت في دمشق، وسألت عددا من الكتاب والمثقفين ونشطاء المجتمع المدني عن توقعاتهم بشأن الزيارة من حيث طبيعتها، والنتائج التي ستترتب عليها. وقال الكاتب السوري ياسين الحاج صالح، إن هذه الزيارة ستكون استكشافية، وخصوصا أن هناك عدة زيارات لميليس ستتم الى دمشق كما ظهر في وسائل الأعلام، وقد تمهد لعقد اتفاق بين لجنة التحقيق التي يرأسها القاضي ميليس والحكومة السورية، لتكون هناك جهة مسئولة عن توقيف أي شخص متهم أو مشتبه فيه في المرحلة الأولى، والشيء المهم هو الدلالة السياسية للزيارة فهناك أطراف من النظام، يقعون ضمن دائرة الاشتباه المبدئي، أي أنه من المحتمل أن يكون لهم ضلع في عملية الاغتيال الدنيئة، وهذا ما سيشكل أكبر مأزق يواجهه النظام منذ احتلال العراق وفي فترة ما بعد خروجه من لبنان. واضاف صالح، اذا ثبت تورط مسئولين سوريين فهذا يفتح أبوابا من الصعب تخمينها منذ الآن، وخصوصا أن الحكومة السورية تفتقد لأي سند عربي أو دولي. وأكد يعقوب كرو الصحافي السوري ورئيس تحرير صحيفة "النور" التي يصدرها في دمشق الحزب الشيوعي السوري: ان الزيارة تعبير عن تعاون سوري مع لجنة ميليس، لكنه ابدى تخوفه من تسييس عمل اللجنة ونتائجها، لأنه سيغطي الحقيقة ويجعل التعامل مع كل الملف صعبا. فهناك من يسعى إلى الضغط على اللجنة لتسييس الموضوع في لبنان وخارجه، وهو ما تأكد خلال تشكيل اللجنة من اتهامات وإشاعات، وما رافقها واستمر متواصلا حتى الآن. واضاف كرو، لكن معرفة دمشق بنزاهة القاضي ميليس تمثل ارتياحا في سورية، وهذا ما شجع دمشق أكثر على التعاون الكامل مع ميليس. وتوقع الكاتب السوري عمر كوش، ان الزيارة ستؤدي الى استجواب عدد من المسئولين السوريين وخصوصا المسئولين السابقين في لبنان. وهو ما أكده ميليس منذ وقت، موضحا أن زيارته لدمشق هي لمقابلة المسئولين السوريين والاستماع لهم كشهود، الأمر الذي طمأن الجانب السوري. واضاف كوش، أعتقد أن ميليس سيذهب بعيدا في التحقيقات وتأتي عملية الاستجواب لبعض المسئولين في سورية استكمالا للملف الذي بات شبه مكتمل وليس أمام دمشق سوى التعاون الكامل مع لجنة التحقيقات وذلك كي تتفادى المزيد من الضغوط. ووصف حسين العودات الكاتب والناشط في لجان إحياء المجتمع المدني نتائج الزيارة بانها ستكون مهمة جدا وقد تؤثر على دور سورية الإقليمي وعلى العلاقات السورية اللبنانية بشكل خاص. فإن اتهم ميليس بعض المسئولين الأمنيين السوريين أو غيرهم فسيكون قد وضع النظام السوري برمته في قفص الاتهام، ويكون قد هيأ بذلك المناخ لبعض القوى الدولية وعلى رأسها السياستين الأميركية والفرنسية لتزيد من ضغوطها على سورية، وربما لتطبيق عقوبات عليها. وإن برأ ميليس المسئولين فإنه يفتح الطريق أمام النظام السوري ليعيد ترتيب أوراقه الداخلية والخارجية، وسيصبح أقوى في مواجهة الداخل ومتطلباته وتزداد قوة قبضته، كما سيواجه الضغوط الخارجية من موقع أقوى، وفي الحالين ستكون لزيارة ميليس نتائج كبيرة ومهمة سوريا وإقليميا. آراء الكتاب والمثقفين السوريين في موضوع زيارة ميليس، تسبق الزيارة، لكن الزيارة وحدها وما يحيط بها من تطورات، هي التي ستبين حقيقة ما ستكون عليه في المقدمات كما في النتائج
العدد 1102 - الأحد 11 سبتمبر 2005م الموافق 07 شعبان 1426هـ